يقولون مجنون جفته سلاسل ... وممسوس حيّ فارقته التمائم
تعجّب من ذلك وقال: (ما ظننت أن أحداً من العجم يصل كلامه إلى هذا الحد) وبعث إليه بخلعة. وهذا الخبر يدلنا أيضاً على ما بلغه الإمام الناصر لدين الله من إدراك لمحاسن الأدب العربي ومعرفة لدقائقه ولطائفه وبارعه ورائعه.
وقال أحد المؤرخين العراقيين: (سمعت أبا عبد الله محمد بن يوسف الأرجاني ببغداد يقول: (قال لي إنسان بسمرقند - وقد جرى ذكر أهل العراق ولطافة طباعهم ورقة ألفاظهم - كفى أهل العراق أن منهم من يقول:
تنبَّهي يا عَذَبات الرند ... كم ذا الكرى! هبت نسيم نجد؟
وكرر البيت تعجباً من لطافته وعذوبة لفظه، وهو لابن المعلم (أبي الغنائم محمد بن علي بن فارس الواسطي الهرثي المتوفى سنة ٥٩٢) مبدأ قصيدة مدح بها إنساناً يعرف بهندي، بني القصيدة على هذه القافية لأجل اسمه.
ولقد صدق هذا السمرقندي فان هذا البيت من قصيدة تجلَّت فيها محاسن الصناعة وبانت عليها بوارق البراعة، وهي في مدح الأمير هندي الكردي أحد الأمراء في أواسط القرن السادس للهجرة، كان في خدمة الإمام المقتفي لأمر الله الخليفة العباسي مجدد دولة بني العباس، وقال في ديباجتها الغزلية:
تنبهي يا عذبات الرند ... كم ذا الكرى هبت نسيم نجد؟
مر على الروض وجاء سحَراً ... يسحبُ بردَىْ أرج وبرد
حتى إذا عانقتُ منه نفحةً ... عاد سموماً والغرامُ يعدى
واعجباً منّىَ أستشفي الصبا ... وما تزيد النار غير وقد
أعلل القلب ببان رامة ... وهل ينوب غصُن عن قد؟
وأسأل الربعَ ومن لي لو وعى ... رجع كلام أو سخا برد
أأقتضى النوح حمامات اللوى ... هيهات ما عند اللوى ما عندي؟
كم بين خال وجوٍ وساهر ... وراقد وكاتم ومبدي؟
ما ضر من لم يسمحوا بزورة ... لو سمحت طيوفهم بوعد؟
بانوا فلا دار العقيق دارهم ... دار ولا عهد الحمى بعهد