عشقي لا ما عشِقه عذرة ... قبلي وبي يستن بي من بعدي
تعلة وقوفنا بطلل ... وضلة تسآلنا لصلد
إن نكب الغيث الحمى وضن أن ... يثير في عراصها ويسدى
سقته عيني ورمته أضلعي ... بوابل وبارق ورعد
طرف تجف المزن وهو واكف ... كأنما جفناه كف هندي
وأقرأ أيضاً بجمال الأسلوب العراقي في الأدب أدباء مشاهير من أهل الأندلس، فان ابن جبير الرحالة الأديب المشهور، المتقدم الذكر حضر - أيام دخوله بغداد في سنة ٥٨٠ - مجلس (أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي) فقال:
(وفي أول مجلسه أنشد قصيداً نير القبس، عراقي النفس، في الخليفة الناصر أوله:
في شغل من الغرام شاغل ... من هاجه البرق بسفح عاقل
يا كلمات الله كوني عوذة ... من العيون للإمام الكامل
ففرغ من إنشاده وقد هز المجلس طربا). فقوله إن ذلك الشعر عراقي النفس يدل على اشتهار النفس الشعري العراقي في الأندلس فضلاً عن الشرق. وهذه الخصائص الأدبية واللطائف الشعرية. لم تكن مقصورة على الخاصة من العراقيين دون العامة، ألا ترى أحد المؤرخين يقول:(ومن خالط أهل بغداد وعلماءها عرف فضلهم ولطفهم؛ ومن تأمل لطافة العوام بها في مجونهم وحديثهم وإشاراتهم التي لا يفهمها أكثر علماء غيرها من البلاد حتى أن فيهم من يقول الشعر المسمى (كان وكان) فيأتي بمعان لا يقدر عليها فحول الشعر تبين له فضلهم ولطافة أخلاقهم).
وإن من غير العراقيين من اعترف بهذه الخصائص الأدبية وأسجل بها على نفسه كما يسجل القاضي بالحكم ويثبته في المحضر، وهناك لا تجد أنبل من هذه النفوس العلية والطباع المرضية التي من عادتها الإقرار بالحقيقة والإذعان للواقع مع ما فيه من هضم الجبلة وزم النفس عن مواقعها وتواضع هو في مقياس الفضائل ترفع؛ ومن أولئك النبلاء الأدباء أبو سعد علي بن محمد بن خلف الهمذاني؛ وفي ذلك قال:
فدىً لك يا بغداد كل مدينة ... من الأرض حتى خطتي ودياريا