- كما كنت أعنى يومذاك - بإعلان (صداقتي لشخصيتي وحرصي عليها أن تفنى في أية شخصية أخرى. . .)
إنني لم أعد أحرص اليوم على مقاومة الفناء في الشخصيات الأخرى، لأنني عدت أكثر اطمئناناً لعدم الفناء! وإني لأعرف اليوم أن صيحتي يومذاك إنما كانت صيحة الخائف الذي يحدث نفسه في الظلام، وينفي عنها الأوهام ليشعر بالاطمئنان!!!
لقد كنت أتحدث يومها عن العقاد. وكانت شخصية العقاد هي الشخصية الوحيدة التي أخشى الفناء فيها - كنت أحس هذا بيني وبين نفسي - ولقد ظلت هذه الخشية إلى وقت قريب حينما بدأت أشعر أنني قد تخلصت. وأنني أنتفع بالعقاد ولكنني لا أقلده. وأن لي طريقاً ألمح معالمه وأستشرف آفاقه. وأنني أتذوق بحسي، وأنظر بعيني، وأسمع بأذني. وإن كان للعقاد فضل التوجيه في الطريق العام.
عندئذ بدأت أسكت عن كل اتهام. وبدأت أتحدث عن أستاذية العقاد لي وتلمذتي له، وبدأت أسخر من بعض (شبان) الجيل الذين يحسبون هذا مطعناً إليّ منه الغمزات! فأؤكد لهم التهمة التي يلمحون بها أو يصرحون!
وإني لأضحك وأسخر من الكثيرين، الذين كلما رأوا أنفسهم ينتفعون ببعض الشخصيات، خافوا أن يضبطهم الناس متلبسين فراحوا يعلنون تجاهلهم التام أو خصومتهم القوية لهذه الشخصيات، على طريقة السذّج من المتهمين الذين إذا سئلوا: هل سرقتم من بيت فلان؟ كان الجواب: إننا لم نعرف فلاناً هذا ولا بيته في يوم من الأيام!
وبعد فأنا أرى الآن أن المعرفة الشخصية قد تكون ضرورية في أحيان، وغير ضرورية في أحيان؛ وذلك حسب طبيعة الفنان، فبعضهم يغنيك بما يكتبه عن معرفته لأنه يكتب ما يشبه الاعترافات كابن الرومي والمازني. وبعضهم لابد أن تعرفه وبعضهم تزيدك معرفته علماً بفنه. . .
تلك خلاصة رأيي في النقد والمنقودين، فإذا كان الأديب الفاضل لاحظ أنني ذكرت عدم معرفتي لبعض من كتبت عنهم من الشبان، فإنما كان ذلك لأنني لم أعرفهم فعلا؛ ولم تكن لدي الفرصة لمعرفتهم من قبل. كل ما هنالك أنني وجدت بين يدي أعمالاً أدبية تستحق التنويه؛ فلم يكن من الميسور أن أتعرف إلى أصحابها لأكتب عنها مقالة عابرة. ورأيت أن