أعجبت بالكلمة التي كتبها الدكتور مندور عن العقلية المصرية في عدد ٥٩٢ من الرسالة، ولست أخالفه في وجهة نظره، ولكني أريد أن أقول إن العقلية المصرية إيجابية فعالة كالعقليات الغربية، وليس أدل على هذا من أنها سلبية قابلة كحكمه عليها، لأن العقل المحصل الواعي القوي الذاكرة لابد أن يكون منتجاً فعالاً لو أتيح له، وفي نهضتنا العلمية الحاضرة مظاهر للإنتاج العقلي الإيجابي تتفق وخطواتنا في سبيل التقدم العلمي ووسائلنا المادية المساعدة، ومن شبابنا المثقف من اهتدى في عالم الأدب والنفس إلى نظرية غير معروفة، ومن كشف الحجاب عن مجهول، ومن استطاع أن يقود حركة خاصة ويتزعم مدرسة خاصة. فإذا تذكرنا أننا في الواقع في بدء النهضة التي ينتظر أن يتسع مجالها غدا استطعنا أن نصدق في كثير من الرضا أن العقول المصرية إيجابية فعالة. والمعقول أن النهضات تبدأ بالتحصيل والقبول أزمنة تختلف باختلاف الأمم استعداداً للنهوض واستجابة لدوافعه، ثم يكون بعد ذلك الإنتاج الإيجابي. فإذا كنا نحن في بدء النهضة، ونحن في الواقع كذلك، فليس لنا أن نحكم على العقلية المصرية بأنها تكيفت بكيفية ما تيئسنا من أن يكون فينا منتجون إيجابيون بالقدر الذي نبغيه وبأنه لا وجود للملكات بيننا تقريبا.
إن الإنتاج الإيجابي في أي أمة يتجلى في مظهرين لا ثالث لهما. الأول: المظهر الأدبي بأوسع ما يمكن أن تحتمله هذه العبارة، وهذا، ولا أغالي، قد قطعت فيه مصر شوطاً لا بأس به يتناسب جد التناسب مع عمر نهضتها الحالية. والثانية: المظهر المادي وحظ مصر فيه حقاً قليل جداً، لأن المظهر المادي دائماً يعتمد على المال وحسن استثماره، ولكن إذا قسنا كذلك ما وصلت إليه مصر في هذا المجال إلى عمر نهضتها وظروفها الخاصة، كان من المعقول أن يكون حظها منه مناسباً
وهذا لا يدلنا على أي حال أن العقلية المصرية تكيفت بالنحو الذي يجعلها سلبية قابلة فقط
ومظاهر سوء التصرف وضيق الحيلة وضعف الاعتماد على النفس وعدم الاهتداء إلى السبيل السوي عندما يضطرب حبل الأمور وتشتد المواقف، مرده في الواقع فيما نراه في الكثيرين منا حتى المثقفين إلى تغير مجرى الحياة السياسية بمصر منذ عهد غير بعيد. ولو أن مصر كانت حسنة الحظ سياسياً وسارت نهضتها التي بدت بعهد عاهلها الأكبر محمد علي باشا في طريقها لرأينا النفس المصرية غيرها الآن.