الحوريات في الفراديس، ونسج حولها هالات من القداسة والسحر، وأقامها في مصاف الآلهة والقديسين. . ثم. . . ثم إذا هو يطلع على الكارثة مع الزوج المنكوب، فيفجع في أحلافه فجيعة الزوج في كيانه، ويحس لها بالحقد والازدراء، ويخيل إليه إنها انتهت من عالمه. . . ولكن!
أجل. ولكنها (المرأة). المرأة الخالدة في ضمير كل (رجل). وراهب الفكر هو كذلك رجل أيضاً. هو مزيج من اللحم والدم والفكر والشعور. ولئن كانت هذه الأفعى قد سحرت فيه رجل الفكر والشعور أيام أن كانت - عنده على الأقل - حورية أو قديسة، فإنها اليوم لتستطيع أن تسحر فيه رجل اللحم والدم، بعطرها العابق ونكهتها الأنثوية، وأن تدعوه لصوت الغريزة الخالدة فيستجيب. ولولا سبب خارج عن إرادته - حسب تعبير القانون - لتم كل شيء في عالم الواقع المحسوس، بعد أن تم في عالم الضمير المكنون!
يا للمرأة! بل يا للحياة في صورة المرأة!
وعلى الهامش رجل آخر أوقعته مذكرات الزوجة المفضوحة في شك مفترس في عشه وفراشه هو الآخر، ولكنه لا يستطيع الحزم واليقين، ولا يطيق جحيم الشك المؤلم فيستريح من قريب. . . ينتحر! ولا يستغرق من القصة إلا القليل، الذي يكفي للموازنة السريعة بين قسوة اليقين المحتملة على كل حال، وقسوة الشك التي تجل عن الاحتمال
أشهد أن الصفحات التي تناول فيها المؤلف عرض نظريات المرأة ودواعيها، ووصف نزواتها ومفاتنها؛ وكشف حيلها ومغرياتها. كالصفحات التي صور فيها كارثة الرجل وعاطفته، وأوضح منطقه واتجاهه. كالصفحات التي أبرز فيها (راهب الفكر) ونزعاته، واختلاجاته ونزواته، كالصفحات التي كشفت روح العصر والعوامل الخفية والظاهرة التي تعمل في كيانه. . . كلها صفحات رائعة فيها ذلك النضوج الأخير
ولكن الصفحات التي عرض فيها صورة (الشك) لم تجيء في مستوى تلك الصفحات. جاءت مختصرة ومجملة، جاءت في لمسات عريضة لم تتناول الجزئيات الثمينة في لحظات الشك المريرة. وختمت في عجلة ظاهرة
حقيقة إن (التنسيق الفني) سمة توفيق الحكيم الأصيلة - هو الذي يجبره في هذه القصة - حسب وضعها الحالي - إلى الاختصار في صورة الشك؛ فكيان القصة قائم على مواجهة