للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقصود

والتعبير وظيفة لا حيلة فيها، لأنه أثر الحالة التي تقوم بالنفس فتدل عليها بما لديها من وسيلة ناطقة أو صامتة

ولكنه مع هذا عمل مفيد لاشك في نفعه، لأن الرجل بعد التعبير غيره قبل التعبير، ومن استطاع أن يعبر استطاع أن يفهم نفسه ويفهم ما يريد، واستطاع أن يجمع إليه من يشعرون مثل شعوره ويريدون مثل مراده، ولكنه لا (يعبر) لأجل هذا ولا يكف عن التعبير إذا امتنع هذا. فكثيرا ما (يعبر) فيجمع من حوله الأعداء ويفرق الأصدقاء

وسؤال السائل: لماذا نعبر؟ كسؤاله لماذا نحس؟ ولماذا نحيا؟ لأن الحياة مظهران لا ينفصلان: تأثير من الخارج إلى الداخل هو الحس، ورد من الداخل إلى الخارج هو التعبير، والكلام في غايته كالكلام في غاية الحياة. وليس للحياة غاية وراءها، لأن وراءها الموت الذي تقف دونه الغايات

قل للأديب (عبر) أيها الأديب ولا تسأله بعد ذلك غاية من وراء تعبيره، وكفى أن يكون هذا التعبير من دلائل الحياة، ولا خير في الحياة بغير دليل

وأعود إلى مثل يطابق الحقيقة هنا كل المطابقة ويعين على فهمها أقرب معونة، وهو مثل الزهرة والثمرة في الشجرة النامية الفائدة كما نفهمها نحن هي الثمرة الناضجة

ولا فائدة للزهرة بهذا المقاس

ولكن الشجرة التي لا تنبت الزهرة تبطل فيها دلائل الحياة، وهي زينة وبهجة إلى جانب هذه الدلالة

ثم يأتي أناس فيعصرون الزهرة عصراً ودواء وشراباً ينعش ويفيد، ولكنها لم تكن زهرة لهذه الفائدة التي جاءت في عرض الطريق

وجملة القول أن الأدب على هذا الاعتبار أصدق من جميع المطالب العقلية التي تحسب من ذخائر الثقافة الإنسانية

لأن البواعث حق والغايات أوهام، ونحن حين نسعى إلى غاية فنحن منخدعون بها قبل الوصول إليها وبعد الوصول إليها. وقد نسعى إلى غاية ونصل إلى غيرها، وقد نصل إلى الغاية التي نريدها فإذا هي هباء لا يساوي مشقة السعي في سبيله

<<  <  ج:
ص:  >  >>