أما البواعث فهي حق لا مهرب منه، وهي شيء موجود لا خلاف في وجوده، وهي مصدر التعبير، والتعبير دليل الحياة
فإذا بحثنا عن الأدب فلنبحث عن شيئين لا يعنينا بعدهما مزيد وإن وجد المزيد: أهناك باعث صحيح؟ أهناك تعبير جميل؟ فن وجد الباعث والتعبير فقد أدى الأدب رسالته، ونبقى على الدنيا أن تستفيد منها إن شاءت، وهي تستفيد بمشيئتها وبغير مشيئتها من كل عمل يجري على سنة الحياة
وجاءني من الأديب (داود أحمد العاروري) ببيت المقدس سؤال عنا نحن الشرقيين: ما بال رجالنا يتقاتلون ويخذل بعضهم بعضا حين نرغب في عمل يفيد بلادنا؟ أهو حب الظهور؟ أهو الغرور؟ أهو العناد والجمود؟
والسؤال جديد قديم منذ قال جمال الدين رحمه الله (اتفق الشرقيون على ألا يتفقوا)
أما السبب فقد تكتب فيه المطولات، وقد يوجز في سطور، ونحن في مقام الإيجاز فعسى أن نحصر السبب في كلمات قليلة تدل على مكان العلة وتترك المجال بعد ذلك مفتوحا للطبيب المأمول: طبيب الزمان
إن الخلاف يطول كلما قل الحكيم المسموع
والحكم المسموع بين الرجال العاملين هو تمييز الأمة أو تمييز الرأي العام كما نسميه في الاصطلاح الحديث
فالأمم التي بلغ الرأي العام فيها مبلغ التمييز يخاف المخطئ أن يصر على خطئه فيها، لأنها تقضي عليه
والأمم التي لم تبلغ مبلغ التمييز يطمع المخطئ في تضليلها ولا يخشى المتنازعون فيها عاقبة نزاعهم على الحق أو على الباطل، فيطول أجل النزاع ويصعب الفصل فيه
وسيظل الخلاف دأب الشرقيين ما دام مأمون العاقبة على المختلفين؛ ويظل مأمون العاقبة عليهم ما دام الحكم المسموع قابلاً للتضليل عاجزاً عن التمييز
وكلما صعد سواد الأمة درجة في سلم الإدراك والأخلاق هبط الخلاف درجة بين الزعماء العاملين