وهو هو صلابة عود وشدة أسر، لا يبالي بحربهم، بل كان يرد التهم في شهامة وإباء، وعزة وكبرياء. فلقد حدثوا أن المنصور قال له يوما: يا معن! ما أكثر وقوع الناس فيك وفي قومك!! فقال: يا أمير المؤمنين:
إن العرانين تلقاها مجسدة ... ولن ترى للثام الناس حسادا
وفي ذلك الرد من أخلاق الرجال ما فيه. . .
وكان معن على يسار في العيش وبسطة في الرزق، ولهذا ظل بابه مفتوحاً، ولم يمنعه من فتح بابه إلا سنة ضيقة، أو نقص في الأموال والثمرات، فكان يستحي أن يقابل الناس على تلك الحال حتى لا ينكشف نقصه، ويتعلل بالحجاب زماناً حتى يتسع الضيق أو يكثر السويق. . .
أما الأمير الآخر، فهو أبو دلف، وكان معاصراً للخليفة المعتصم. ولقد بلغ عند الخلفاء محلاً عظيماً في الشجاعة وحسن القيام في المشاهد، وهو من (ربيعة) فهو يتفق مع (معن) في كرم الأصل، ولكنه يختلف عنه في الغناء وحسن الصوت!
ويظهر إنه قسم حياته بين الشراب والشجاعة والعطاء، فلا تجد له في كتب الأدب خبراً إلا حول مجلس شراب أو وسط معركة، أو مقسماً على الناس العطاء
وما نهاه الشراب عن مكرمة، ولا عوقه عن مروءة، ولا تأخر به عن معركة، فقد حدثوا عنه إنه كان جالسا يشرب مع جاريته (ظبية)، وعليه ثياب معطرة بالمسك، فجاءه الصريخ معلنا طروق الشراة وانتقاضهم على أطراف عسكره، فلبس درعه ومضى يقاتلهم، ويأسر منهم، ويضرب فيهم، حتى آخر الليل، ثم عاد في الصباح يغني:
ليلتي بالسرادق ... كللت بالمحاسن
وجوار أوانس ... كالظباء الشوادن
بدلت بالممسّكا ... ت أدراع الجواشن
وانقطع إلى أميرينا شاعران من أهل المكانة والقدر، فانقطع إلى معن الشاعر مروان بن أبي حفصة وانقطع إلى أبي دلف الشاعر علي بن جبلة. وكانت مدائح الشاعرين تثير على الأميرين أحقاداً وعداوات، وتخلق لهما مع الخلفاء عقداً ومشكلات، حتى لقد لام الخليفة المنصور الشاعر مروان بن حفصة على مدحه لمعن، والمأمون نفسه كان يحفظه أن يسمع