وبرع شوقي غاية البراعة فعبر في جلال وروعة إنه لا جلال ولا جمال لتاج لا تلتمع فيه جواهر الدستور وإن شرق بنوادر الماس وروائع الدر. ومن ذا الذي يقرأ له هذا البيت فلا يشعر بالجلال؟ ومن ذا الذي يقرأ هذا البيت ثم يجحد أن الشاعر كلف بالدستور أيما كلف؟؟ ثم يأسف أن عطل الدستور وأقفر ناديه وطيرت عنه بلابله، ويصف في حسرة هذا التعطيل، وبشاعة إغلاق البرلمان حصن الحق كما يسميه، فثكناته في شوق إلى أبطالها وكماتها، ومقاعد النواب مهجورة ومنبره معطل، وإنه لموحش قد نسج العنكبوت به بيوته، ويشبه حاله إذن بغار ثور حين اختبأ فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ومعه صديقه فنسج العنكبوت على بابه، ولعله يريد أن الغار حمى الرسول والإسلام، وأن البرلمان سيحمي الحق والعدل والشورى، وإلا فلا وجه للمشابهة بين هذا وذياك.
الله ألف للبلاد صدورها ... من كل داهية وكل صُراح
وزراء مملكة دعائم دولة ... أعلام مؤتمر أسود صباح
يبنون بالدستور حائط ملكهم ... لا بالصفاح ولا على الأرماح
وجواهر التيجان ما لم تتخذ ... من معدن الدستور غير صحاح
احتل حصن الحق غير جنوده ... وتكاليف أيد على المفتاح
ضحت على أبطالها ثكناته ... واستوحشت لكماتها النزَّاح
هجرت أرائكه وعطل عوده ... وخلا من الغادين والرواح
وعلاه نسج العنكبوت فزاده ... كالغار من شرف وسمت صلاح
- ٩ -
وقبيل ١٥ مارس سنة ١٩٢٤ يوم افتتاح البرلمان الأول أقام نادي المعلمين حفلا ألقيت فيه قصيدة لشوقي عرض فيها للدستور كعادته، فيوم افتتاح البرلمان غرة في تاريخ مصر، وهو في الأيام عيدها، وسيتفيأ المصريون بظلال الدستور ويسعدون، وإذ كان في حفل تكريم المعلمين العلم دعامة من دعائم الملك فقد رجا النواب ألا يضنوا على التعليم بالمال، ويبارك للشبان أن جهادهم أثمر وأينع:
مصر إذا راجعت أيامها ... لم تلق للثبت العظيم مثيلا
البرلمان غدا يمد رواقه ... ظلا على الوادي السعيد ظليلا