ونقلني النرجس من هيامه بحال، إلى هيام بجماليون بتمثاله. فيا لله إبداعك وأنت تصف بجماليون الحيران في مصنع تماثيله ينقش بمنقاشه تمثال غالاتيا، فيسكب عليه كل مفاتن فينوس. وكان قلمك كمنقاشه فجمعت كل حلاوات المرأة، ثم وزعتها واحدة فواحدة على جوارح غالاتيا وقسماتها الحسان.
وشغف تمثال الرخام حباً بجماليون فمر بيديه اللامستين على مرمره البارد المسنون، وما راعه إلا حرارة الحياة تدب فيه، فإذا هو من لحم ودم وإذا غالاتيا تناجيه فيه بصوت فينوس.
وقد أولع رواة الأساطير بهذه القصة فافتنوا في سردها الفنون حتى كلن يراعك فسلك هذا المهيع الجميل.
ولا آتي على أساطيرك كلها، فهي زهرات مغريات تكفي واحدة منها أن تملا شمي بعطورها القبرصية حينا من الدهر القي فيه عن كتفي عبء الهموم. والأساطير يا صديقي منحة أدب غال. قد ابتكرتها الأمم القديمة لترفع الإنسان الفاني من حمأة الأرض إلى ملكوت السماء. ولم يك الأولمب عند الإغريق إلا سلما علويا لأولئك الآلهة الذين احبوا وابغضوا، وناحوا وضحكوا، وسلاهم عن كآبة الفناء لن كتب لهم الخلود، فذاقوا الحب الذي هو أقوى من الموت كما تقول التوراة. ولكنهم ما دنسوه بالمفاسد بل كان محور حياتهم: أنزع الحب منهم تفرغ الأساطير من الجمال، وتصبح صحراء سبسباً في لوافح الهجير. ونحن على الأرض منحنا حباً ولكن ما عرفنا حلاوته، ولا وعينا نبالته، ولقد دنسناه ثم دسناه.
كذلك رفعتي أساطيرك من هذا العالم حين قراءتها. ولا تعجب لأمري، فقد تمنيت لو كنت أحدها، لا إلها فما سموت إلى مقام الأرباب وعروشها، ولكن إنسانا أعيش في أكناف الأولمب كسادن في هيكل الفنون. وما رواية حياتنا يا صديقي بعد ألف عام إلا أسطورة كهذه الأساطير.
ثم هات حديث الأدب عنها، فقد أفادت فنون الغربيين فمزجوها في شعرهم ونثرهم، وحكمتهم وعظاتهم. فكانت فينوس ريحانه الشعور، وميزفا لسان الحكمة. وصورها المصورون، فألواحهم الخالدة من ألوانها غميسة. وترنم بها القيان وأصحاب اللحون،