شرور تتلوها شرور! وظلمات فوقها ظلمات! فلابد من النور! لابد من النور! وإلا تاه القطيع وتردى في هاوية الفناء!
وشع النور! وتلالا واستفاض! وإذا بصوت محمد يتعالى في شعاب مكة وبطاحها منادياً:(قولوا لا اله إلا الله تفلحوا وتنجحوا).
وكان تلك الدعوة شرارة الثورة الكبرى، الثورة قلبت الأوضاع الجائرة، ومحت النظم البائرة، ونقلت العالم من حال إلى حال، والإنسانية من ضعة إلى جلال.
لقد استهل الإسلام ثورته بالدعوة لتوحيد الله وقرن النجاح بهذا التوحيد، فما معنى ذلك؟ معنى أن الإسلام يعتبر وهي الروح أصلاً لوعي العقل؛ معناه أن الأمم مهما وفر حظها من ثقافة العقل، فان هذه الثقافة لابد لها من عقيدة روحية تسندها وتنير لها المسالك وتأخذ بيدها نحو صالحها وصالح الحياة الإنسانية، وإلا هدمت ما شيدت واقتلعت ما زرعت وتلبست طبائع الهر فأكلت ما أنجبت؛ ولهذا وجه محمد أول ما وجه جهود نحو غرس هذه العقيدة الروحية، فعمل على تطهير الأرواح مما علق منها من أدران الشرك واستبطنها من عقابيل الوثنية، ونادى أول ما نادى أن اله إلا الله، فلا الشهوات بعد اليوم ولا القوة ولا المال ولا الأصنام هي التي تعنو لها الحياة، وإنما تعنو لله الأحد الصمد خالق الخلق ومدبر كل ما في الكون. وبهذا مهد السبيل الإنسانية لتفلت من قيودها الثقيلة المرهقة وتتصل حرة ببارئها تستلم منه العون والهداية على مواصلة الكفاح وسلوك أقوم السبل دون لجوء لوساطة كاهن أو شفاعة ولي (وإذا سألك عبادي عني فأني قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعانِ، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
هذا التسامي بالنفس الإنسانية والتعالي بها عن ضلالات العقول وزيغ البصائر هو الذي يفتقده الباحث في كثير من تاريخ الثورات البشرية، فالفرنسيون مثلا بعد أن ثاروا ثورتهم الكبرى وحطموا معاقل الظلم وزلزلوا معالم الاستبداد وأعلنوا حقوق الإنسان الطبيعية التي تستند إلى مركزه في الحياة، ساق الثائرون أنفسهم اكثر من ألفين من خيرة رجال الثورة إلى المشانق ثم عمدوا إلى اجمل فتاة في باريس ووضعوها في إحدى الكنائس واخذوا يقدمون لها فروض العبادة، ومراسيم الخشوع باسم (ربة العقل)، ناسين ما أعلنوه قبل ذلك من حرية البشر وتساويهم؛ وما كانوا في مثل هذا الهوس والتطرف، لو أن ثورتهم استندت