إنما الناس قادم إثر ماض ... بدُ قوم للآخرين انتهاء
يربك أيها الفلك المدار ... أقصد ذا المسير أم اضطرار؟
مدارك قل لنا في أي شيء ... ففي أفهامنا منك انبهار
وعندك ترفع الأرواح أم هل ... مع الأجساد يدركها البوار
ودنيا كلما وضعت جنيناً ... غذاه من نوائبها ظؤار
هي العشواء ما خطبت هشيم ... هي العجماء ما جرحتُ جبار
نعاقَب في الظهور وما وُلدنا ... ويذبح في حشا الأم الحوار
وننتظر الرزايا والبلايا ... وبعد فبالوعيد لنا انتظار
ونخرج كارهين كما دخلنا ... خروج الضب أحرجه الوجار
فماذا الامتنان على وجود ... لغير الموجّدين به الخيار؟
وكانت أنعماً لو أن كوناً ... نُخَيَّر قبله أو نستشار
لقد استأسد ابن الشبل على الحق، وبالغ في العفلطة والعسلطة، ولقد عجبنا إذ سمعنا المفترح، وأطلنا الكركرة والقهقهة. إنَّ على مبدعنا أن يستشير تلكم الذريرات (أعني الأناسية) في الكون أو في العدم، ويقول لها: (أنت علي المتخير) أنت بالمختار، أنت الخيار. ولها أن تنعم أو تُلالي
(وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخِيَرة، سبحان الله وتعالى عما يُشركون)
ذريةَ الأنس لا تُزهوا فإنكم ... ذَرًّ تُعدون أو نملا تضاهونا
إنَّ الأناسي لم يتمثلوا بشراً أو أبشاراً أسوياء إلا من بعد آلاف من الحقب ومن بعد أطوار مختلفات كثيرات لا يعلم عددها إلا الله. ومثل ابن الشبل إنما نشأ ذريرة لا تكاد ترى بالمجهر (ثم أنشأناه خلقاً آخر) درَّجته سنة الله إلى حيث انتهى أو ارتقى. وكان لا يحس في وقت ولا يسمع وما عقل - إن عقل - إلا بالأمس، ففي أي طور وفي حين يُخيّر أو يستشار؟
(إن الإنسان لَيطغى أن رآه استغنى) أو رآه قد احتسى من بحر علم الله حسوة!
إنَّ قوماً يريدوا أن يكونوا، وما أحبوا أن يكون غيرهم، فذموا الدنيا ذاك الذم، وصبغوها للناظرين بأردأ صبغ، بأبشع صبغ: (غرارة ضرارة، حائلة زائلة، نافذة بائدة، أكالة غوالة)