هذين الشعورين من أضعف المشاعر عند الشرقيين، حتى لأحسب أن جانباً كبيراً من ضعف النفوس الذي نشكو منه يرجع إلى الحزن الذي ينزل الخراب بالقلوب، كما أن الإحساس بمعنى لجمال ومعاييره الصادقة يكاد يكون منعدما. والنفس الحزينة لا تعرف الثقة والتفاؤل. والحس الذي لا يدرك الجمال لا يحجم عن الخسيس من الأمور)
وكل ما يختص بأحزاننا الهامدة صحيح. ولقد كتبت في عام ١٩٤٠ مقالاً مطولاً في مجلة الشؤون الاجتماعية تحت عنوان:(مباهج الحياة عنصر أصيل في الإصلاح الاجتماعي) بدأته بهذه الفقرات:
(نحن في حاجة إلى حظ كبير من الفرح، لأننا في حاجة إلى حظ كبير من الحياة، وإلى حظ كبير من سلامة الفطرة، وصحة الشعور، وهما أكبر مقومات الحياة.
(وحظنا نحن المصريين من الحياة ضئيل، لأن حظنا من الفرح، ومن المباهج الروحية ضئيل. وإيما يصح هذا القياس لأن الفرح الإنساني ظاهرة نفسية وعقلية، تقابل في الحيوان ظاهرة القفز والوثب، وفي الطير ظاهرة السقسقة والغناء، وفي النبات ظاهرة التفتح والازدهار. وهذه الظواهر جميعاً دليل الحيوية والصحة في الحياء.
(نحن في حاجة إذن إلى حظ من الفرح الإنساني الراقي، لأننا في حاجة إلى حظ من الحياة الصادقة والفطرة السليمة.
(ولكن أهذا كل ما ينقصنا من ألوان الفرح؟
(الواقع أن حظنا كذلك ضئيل حتى من الفرح الحيواني الذي يدل على سلامة البنية وصحة الجسد واكتفاء الغريزة. والحرمان من هذا اللون ربما كان أخطر وأوغل في العلة، لأننا بهذا الوضع لا نرتقي في سليم الصحة حتى إلى مرتبة الحيوان!)
(تشخيص) الدكتور مندور للعلة في لشرق صحيح. ولكن الذي أخشاه هو ألا يكون قد وقع على العلاج الصحيح. وألا يكون رقصه المقترح هو الدواء المفيد.
فلقد ضرب المثل بالإغريق وإقبالهم على الرقص وأثر هذا الرقص في تربيتهم الخلقية وفي عبادتهم للجمال. والجمال الذي هو قوام العمل الخلقي:(وليس من شك كذلك أن عبادتهم للجمال وحرصهم على التناغم والانسجام قد أحيا في نفوسهم معاني البطولة ومثل الأخلاق. ومن البين أن أهم صفات العمل الأخلاقي هو جماله المشرق). . .