فالذي أعتقده هو أن الإغريق إنما أقبلوا على الرقص الذي (يستمد إيقاعه من الموسيقى الشائعة في الطبيعة) لأنهم قبل أن يرقصوا فاضت نفوسهم بالحياة الدافقة، وأحسوا موسيقى الطبيعة الشائعة، فأفاضوا الحيوية الكامنة في كيانهم رقصاً، وبادلوا موسيقى الطبيعة الشائعة إيقاعاً. ولم يكن الرقص إلا منفذاً للرصيد المذخور.
وليس الذي ينقص الشرقيين هو أن يرقصوا على نغمات الطبيعة، ولكن الذي ينقصهم هو أن يدركوا هذه النغمات، وأن يجدوا لها رصيداً يكافئها في نفوسهم فيجاربوها بهذا الرصيد
أن الحيوية الكامنة هي التي تنقصنا - فيما أحسب - فليس لدينا منها ما ننفقه في الرقص وما ننفقه في المرح، وهما منفذان يتسرب منهما النبع الفائض حين يفيض. فمتى يمتلئ الإناء الفارغ، حتى يتسرب وحتى يفيض؟
هذه هي المسألة يا عزيزي الدكتور!
ولا نختم الصحيفة على هذا التشاؤم، ففي عدد الرسالة نفسه بصيص من نور مقال للدكتور محمد صبري عن (علل المجتمع المصري) جاء فيه:
(لكل مجتمع علله وآفاته، ولكننا إذا استعرضنا علل المجتمع الأوربي كانت هذه العلل خاصة بمجتمع قد تهيأت له جميع المشخصات القومية، وتجلت مظاهر القوة ومظاهر الضعف فيه. أما المجتمع المصري فهو مجتمع في طور الانتقال)
(والواقع أن عللنا وآفاتنا كثيرة نشأ معظمها من الاستعباد وطول عهوده. وقد أصبحنا وفبنا مركب الشعور بالنقص. وهذا واضح جلي في (معاملات) المصريين والجانب. وما بقيت هذه العلة بغير علاج حاسم فستظل (الامتيازات) في نفوسنا وأخلاقنا، وان تكن قد محيت في الورق والمعاهدات.
(وقد أصبحت هذه الحالة مدعاة لليأس والتشاؤم، ففريق من المصريين يقول: إنه لا أمل في إصلاح هذا الشعب. وفريق من الأجانب - وعلى رأسهم المؤرخ الكبير جبرائيل هانوتو - يقولون: إن مصر لا عني لها عن الأجانب، وان مركزها الجغرافي إلى جانب ذلك يفرض عليها قبول سيطرة الدولة التي تهيمن على البحر الأبيض، أي قبول الاستعباد في شكل من أشكاله)