جمالها ذلك المثال الذي نزل بها وسكنها، فنمقها بكل ما يمكن أن يوحي به ذوقه السليم.
وبينما كنت أسير مع أوجست رودان تحت الأشجار التي تظلل رابيته الفاتنة في أصيل يوم من أيام مايو من السنة الماضية أفضيت إليه برغبتي في الكتابة عن آرائه في الفن وعلى أن يكون ذلك من إملائه فقال لي: (يا لك من إنسان عجيب. لا زلت مهتما بالفن إلى الآن! أن الاهتمام به لا يتفق والعصر الحاضر. فالفنانون اليوم، وأولئك الذين يحبون الفنانين أشبه شيء بالحفريات القديمة. تخيل ناشدتك الله مخلوقا من تلك المخلوقات البائدة يدب في شوارع باريس، وعند ذلك يستبين لك الأثر الذي ستحدثه بمعاصرينا عندما تكتب عن الفن أو تتكلم فيه. أن عصرنا عصر مهندسين ورجال صناعة، وليس عصر فنانين. فغاية السعي في حياتنا الحديثة هي المنفعة، وينصب جهدنا على تجسين بقائنا المادي. يطالعنا العلم كل يوم بمبتكرات جديدة خاصة بالمأكل والملبس وبوسائل التنقل ويخرج إلينا بسلع رخيصة وضيعة كيما يوفر لجمهرة الناس ما يصبون إليه من كماليات زائفة. ولو أنه مع ذلك أدخل تحسينا عظيما على كل ما يتصل بحاجاتنا اليومية ويمت إليها بصلة. ولكن لم تعد المسألة مسألة روح أو فكرة أو أحلام. لقد مات الفن.
الفن هو التأمل. هو لذة العقل الذي يبحث في أغوار الطبيعة والذي يقدس فيها الروح التي تسود الطبيعة نفسها. هو متاع الذهن الذي يستشف الكون والذي يعيد خلقه بنظرة فاحصة صادقة. الفن هو أسمى رسالة للإنسان لأنه يعبر عن الفكر الذي يبحث ليهتدي إلى تفهم العالم وليجعل العالم جليا مفهوما.
يعتقد الإنسان اليوم أنه يستطيع الحياة بدون فن. انه يأبى أن يتأمل أو يتيه في مهامه الفكر أو يسبح في عالم الخيال. يريد أن يستمتع استمتاعا ماديا، أنه يقنع بإشباع شهواته الجسمانية، أما سمو الحقيقة وأغوارها فلا يعبأ بها أو يعيرها اهتماما. فإنسان اليوم حيواني الميول لم يخلق من الطينة التي خلق منها الفنانون.
وفضلا عن ذلك فالفن هو الذوق. هو ما ينعكس من قلب الفنان على كل ما يبتدعه من الأشياء. هو ابتسامة الروح الإنسانية للمنزل والأثاث. وهو جمال الفكرة والشعور مجسما في كل ما ينفع الإنسان. ولكن كم من معاصرينا يشعر بضرورة شيوع الذوق في المنزل والأثاث، كان الفن منتشرا بكل مكان في فرنسا في أيامها الخوالي. فكان أوساط الناس،