للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى الفلاحون منهم لا يستعملون من الأشياء إلا ما يفرح العين ويسرها. كانت مقاعدهم وموائدهم وقدورهم وقواريرهم جميلة. أما اليوم فقد اختفى الفن من الحياة اليومية، حتى ليقول بعض الناس أن الجمال لا يشترط توفره فيما هو مفيد من الأشياء. . . كل شيء قبيح خال من الرشاقة، تصنعه آلات غبية في سرعة وعجلة. أما الفنان فينظر إليه كما لو كان خصيما مناهضا. آه يا عزيزي جيزيل، أتريد أن تبسط آراء الفنان وأن تبرز أفكاره؟ ماذا بك؟ دعني أتفحصك! إنك وايم الحق لإنسان عجيب).

فقلت: (إني لأعلم أن الفن هو أقل ما نعني به في عصرنا هذا، ولكني آمل أن يكون هذا الكتاب بمثابة احتجاج على الآراء السائدة الآن، كما آمل أن يوقظ صوتك معاصرينا وأن يساعدهم على أدراك الجرم الذي يجرمون بفقدهم أجل شطر من تراثنا القومي ألا وهو الشغف الشديد بالفن والجمال). فأجاب رودان (عسى الله أن يسمع منك)

كنا نسير الهوينا بمحاذاة البناء المستدير الذي اتخذه مرسما. فشاهدت كثيراً من التماثيل القديمة الفاتنة في حمى السقيفة. فهذا تمثال صغير لعذراء مقنعة بعض الشيء تواجه خطيبا رزينا مشتملا بعباءته. وقريبا من هذين يوجد تمثال لكيوبيد ممتطيا ظهر وحش من وحوش البحر، ويقوم وسط تلك التماثيل عمودان رشيقان كورينتيان من الرخام الوردي اللون. ويدل احتشاد تلك القطع الثمينة في ذلك المكان على ولع مضيفي بالفنين الإغريقي والروماني.

وثمة بجعتان ناعستان على حافة بركة. فما إن مررنا بهما حتى مطتا رقبتيهما الطويلتين المقوستين وأرسلتا فحيحاً مغضبا. ولقد دفعتني وحشيتهما إلى الجهر بأن هذا الطير ينقصه الذكاء. ولكن رودان أجابني ضاحكا: (حسبه ما به من جمال الخطوط، وفي ذلك الكفاية).

وبينما كنا نمشي الهوينا بدت هنا وهناك محاريب صغيرة أسطوانية الشكل من الرخام حفرت بها اضافير الأزهار. ويوجد تحت عريشة بديعة يعلوها نبات متسلق نضير الخضرة وتمثال صغير لمثرا بدون رأس يعلوها وهو يتقرب بثور مقدس. ويوجد عند مفرق طريق معشوشب تمثال إيروس نائما على فروة أسد، وقد غلب النوم ذلك الذي يروض الوحوش ويغلبها على أمرها. وعند ذلك سألني رودان قائلا: (ألا ترى أن الخضرة هي أنسب شيء توضع بينه التماثيل القديمة؟ ألا تستطيع أن تقول عن أروس هذا الصغير

<<  <  ج:
ص:  >  >>