يبكي علينا ولا نبكي على أحد ... لنحن أغلظ أكباداً من الإبل
فكيف استجاز أن يقصر كنية صديقه؛ أما السمة فغيرها، وأما الكنية فقصرها، فإنا الله وإنا إليه راجعون! هذا أمر من الله، ليس هو من ضعف الشاعر ولا وهن القائل ولكنه من سوء الحظ لمن خوطب والاتفاق الردئ لمن سُمى وذكر. . . وإنما تغوثت من ذلك لأني قصير الهمة، قصير اليد، مقصور الظر، أي مكفوف، مقصور في البيت أي لازم له، فكأني محبوس فيه. فما كفاني ذلك مع قصر الجسم حتى يضاف إليه قصر الاسم، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لو كنت أطول من ظل الرمح لصرت أقصر من سالفة الذباب، قد كدت أمْصَحُ في الأرض كما تمصح الظلال. . . وقد مدحني بما ليس فّي، ولكنه في ذلك على مذهب الخطباء والشعراء، وزعم صاحب المنطق في كتابه الثاني من الكتب الأربعة أن الكذب ليس بقبيح في صناعة الشعر والخطابة، لذلك آستجازت العرب أن تقول فتفرط. . .)
وما (رسالة الغفران) العبقرية إلا كتاب أماليح وأفاكيه وأهاكيم
وكان الشيخ كلفاً بالحمد والمجد (والثناء على الرجل أحس الملبوسات)(وغير ملوم من عشق الثناء لأنه أحسن حبيب مزور وأبقى نُفِس مذخور) وقد أعلن ذلك ابن القارح في رسالته المشهورة إلى أبى العلاء:
(. . . ويعلم الله الكريم (تقدست أسماؤه) أني لو حننت إليه (أدام الله تأييده) حنين الواله إلى بكرها، أو الحمامة إلى إلفها، أو الغزالة إلى خشفها - لكان ذلك مما تغيره الليالي والأيام والعصور والأعوام، لكنه حنين الظمآن إلى الماء، والخائف إلى الأمن، والسليم إلى السلامة، والغريق إلى النجاة، والقِلق إلى السكون، بل حنين نفسه إلى الحمد والمجد، فإني رأيت نزاعها إليهما نزاع الاسطقسات إلى عناصرها، والأركان إلى جواهرها. . .)
وإذا أقام أبو العلاء في عرينه مضرباً فيه، فقد كان مطلا على الدنيا - وإن خيل أنه تخلى منها - وما كان أخا زهد فيها، لا فكر له في شيء. وكانت شؤون أمته تعنيه أيما عناية، والمتشائم لاتهمه حالة، ولا يبالي بأمر بالة. كتب إلي أبى الحسن ابن سنان، وقد أوذم على نفسه الحج، والعدو يزأر في الثغور:
(. . . وسفُر مولاي إلى الحج في هذه السنة حرام بَسْل. . . وهل سمع في أخبار الصحابة