للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إبراهيم صوتاً).

شعرها

نشأت علية منذ نعومة أظفارها مطبوعة على قول الشعر، فشبت متفننة في قرضه، وكانت آية في الفصاحة والبلاغة. وقد ذكر (ابن النديم) أن لها ديوان شعر قد رآه. ولكن أين هذا الديوان؟ لاشك أن أيدي البلى أبلته كما أودت بصاحبته. يقول الصولي (إني لا أعرف الخلفاء بني العباس بنتاً مثلها، على أن لها شعرا حسناً جدا، وصنعة في الغناء حسنة كثيرة) وما وصلنا من أشعارها يدل على أنها صادرة عن قلب شاعر ونفس صافية وقريحة فياضة وروح نشأت على حب الفنون الجميلة، فكان كل ما صدر عنها جميلا، ولهذا كان شعرها مما يغنى به في صدر الدولة العباسية لرقته وانسجامه ووقعة في النفس. ومما يدل على انطباعها على قول الشعر أنها كانت تعبر في شعرها عن الكثير من أغراضها حتى المراسلات الخصوصية.

كانت علية جميلة في صورتها، جميلة في نفسها، جميلة في صوتها، تحب الجمال وتألف الجميل، ففاض هذا الجمال في شعرها، فكان لؤلؤا منضودا تزين به تيجان الخلفاء، ولشعرها وقع في النفس وروعة في القلب، لأنه صادر عن قلب شاعر فياض.

وعلية تقول الشعر لنفسها تعبر به عما يخالجها من الأهواء والنزعات وما يجيش بصدرها ما حب وإجلال لأهلها، وما توحيه الطبيعة من مناظرها الخلابة، أو ما تحدثه فيها الحضارة من التنسيق والترتيب. وهي أصدق شاعرة عبرت في شعرها عما كانت تعانيه المرأة في ذلك الوقت من التضييق والإرهاق، وما كانت تقاسيه من لواعج الشوق والهيام في سجنها الضيق وأغلالها المادية، وما كانت تولده هذه من انفجار تردد صداه بغداد. فالكثيرات هن البائسات اللاتي أجسادهن مكبلة في القصور وأرواحهن كانت تتمنى القبور:

بتُّ قبل الصباح إن بت إلا ... في إزارٍ على فراش حرير

أو يحلْ دون ذاك غلق قصورٍ ... كم قتيل من الهوى في القصور؟

ونجد في شعرها ما كان يدور بين ربات الخدور من لغات العيون والرموز والإشارات تعبر عما تكنه الصدور من الحب والشوق ولا تقدر الألسن أن تبوح به:

تكاتبنا برمز في الحضور ... وإيحاء يلوح بلا ستور

<<  <  ج:
ص:  >  >>