هي قصة فتح جديد في عالم الطب، هي قصة الصراع بين الصحة والمرض وبين الموت والحياة، أعلنت على الناس ثمراتها الأولى في سنة ١٩٣١ فجنوا نضجها في إبان الحرب. هي قصة مربية الفيرس ذلك الحي الدقيق المسئول عن كثير من الأمراض المستعصية مثل التيفوس والحمى الصفراء والأنفلونزا والحصبة وشلل الأطفال.
ولولا هذا الكشف لانتشرت الأوبئة الفتاكة بين الجنود والمدنيين كما حدث في ١٩١٨ - ١٩١٩ حينما أزهق وباء الأنفلونزا عشرين مليوناً من الأنفس. ولكن نجاح الدكتور جودباستور ومساعدته الدكتورة اليس وودرف أنقذ العالم من الأوبئة، كما وضع الأحجار الأساسية لوقاية الناس من أمراض عدة تسببها عائلة الفيرس.
وهذا الميكروب دقيق لا تراه الميكرسكوبات العادية، ويخالف سواه في وسائل تغذيته وحياته، فبينما الميكروبات الأخرى تعيش في أوساط مختلفة مثل الآجاراجار والحم، فإنه لا يعيش إلا على أنسجة حية إن ماتت قضى معها. وكان الأطباء يربونه لعمل اللقاح في القرود والطيور، ولكنهم لم يحصلوا منه على المقادير اللازمة لكفاية عدد من الناس فضلا عن أمة كبيرة. فاللقاح الواقي هو ميكروب المرض، ميتاً أو ضعيفاً، يلقح أو يحقن به الجسم فيكتسب مناعة ضد المرض نفسه.
بدأ الدكتور جودباستور أبحاثه لتربية الفيرس في الدجاج، وفي مرض جرري الطيور. وهداه البحث إلى الاستعانة بالبيض المخصب فهو يحتوي على أنسجة حية. فكان يفتح قطعة صغيرة من قشرتها ليمرر الفيرس، ثم يغلقها ثانية بغشاء شفاف يرى من خلاله ما يحدث داخل البيضة. وبعد أربعة أيام صارت أغشية البيضة سميكة وملتهبة فعرف أن مجموعات الفيرس تنمو وتتغذى على جنين البيضة.
وأعلن نتيجة بحثه في سنة ١٩١٣، فلم يجد من الأطباء إذناً صاغية. وأهملوا قيمة أبحاثه كما أهملوا في سنة ١٩٢٩ نبأ اكتشاف الدكتور فلمنج للبنسلين، ولكنه انتقل إلى المرحلة الثانية. فأي أنواع الفيرس ينموا في البيض وأيها لا ينمو؟ فجرب فيرس الجدري البشري فحصل من البيضة الواحدة على كميات لقاح تكفي ١٠٠٠ فرد فأي هدية ثمينة رخيصة