ومن ملاحظاته التفصيلية الخاصة، استخلص فكرته العامة عن الإنسان، وهي تتلخص في أن المصلحة الذاتية تقوده في كل موطن، وحب النفس يدفعه إلى كل عمل. وصاغ هذه الفكرة العامة في تعبير دقيق:(تتلاشى الفضائل في المصلحة الذاتية كما تتلاشى الأنهار في البحر)(موعظة رقم ١٧١). ولكي يكسبها الوضوح والجلاء رجع إلى ملاحظاته التفصيلية واختبرها ليثبت أن كل واحدة منها تدخل في حكمه العام. وهذا يدل على أن لاروشفوكو له أسلوب (مجموع المقدمات الصحيحة الموجزة الموصلة للحقائق) أو طريقة منظمة متناسقة متصلة الحلقات، ومن يلق على مواعظه نظرة سطحية يرها مفككة الأجزاء مبعثرة، ويعتقد أنها ملاحظات بسيطة دونها صاحبها مصادفة تبعاً للظروف دون أن يكترث لما سيكون لها من القيمة أو لما ستنتجه من الأثر ولكن القارئ الذي يمعن في التفكير يجدها متصلة بأقوى إيمان بالأثرة العامة الشاملة، وأشده ثباتاً وعنادا.
وهذه الطريقة تتلخص فيما يلي: الأهواء مصدر أعمالنا وأحكامنا وعواطفنا، وكل فضيلة تفنى في الأهواء التي تجاورها، كل فضيلة تقترب غاية القرب من رذيلة وتمتزج بها في ميدان العمل، وإننا نطلق عليها اسم فضيلة بدلاً من الرذيلة المجاورة خطأ أو إرضاء لكرامة غرورنا أو كبريائنا:(إن ما نعده فضائل، ليس في أغلب الأحيان إلا مجموعة من أعمال متعددة، ومصالح متنوعة يرتبها الحظ أو صناعتنا)(موعظة رقم ١). فالرحمة - مثلاً - التي نؤمن بوجودها يقول عنها:(الرحمة التي يحسبها الإنسان فضيلة، تستعمل أحياناً بدافع الغرور وأحياناً بدافع الكسل، وفي أغلب الأحيان بدافع الخوف، ودائماً بدافع هذه الصفات الثلاث مجتمعة)(موعظة رقم ١٦). ونرى من قوله أن كل عمل من أعمال الرحمة يتلاشى في إحدى الرذائل المجاورة أو يتلاشى فيها مجتمعة، كما يتلاشى النهر في البحر. وهذه الجملة (التي يحسبها الإنسان فضيلة) تدل على أن الرحمة ليست في ذاتها فضيلة، أو على الأقل على أن مصدرها الغرور والكسل والخوف وليس غير، مع أنها قد تصدر عن الشفقة وهي عاطفة عامة، أو عن الطيبة الكريمة التي تشعر بها النفوس العالية الكبيرة. ولنضرب مثلا: يوليوس قيصر الذي انتصر على بومبيوس في موقعة فإرسال (من أعمال اليونان الآن) في عام ٤٨ قبل الميلاد، وأسر كثيراً من عظماء عدوه، فانه عفا