عليها السيف بحمائل فيجاب إلى ذلك فيمتاز بهذا أيضاً عما سبقه من الوزراء.
ويبدو في وزارته شديد البأس، عظيم المنة، قوي الإرادة قاسي القلب، لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيلا بل هو يرى الرحمة خوراً في الطبيعة وضعفا في المنة ويقول عن نفسه ما رحمت شيئا قط. ولا يقف في حقده دون نكبة من يحقد عليه، غير مبال بصروف الزمان وتقلب الدهر. اتخذ في أيام وزارته تنورا من حديد في داخله مسامير محدودة قائمة كرؤوس المال يعذب فيه المصادرين وأرباب الدواوين المطلوبين بالأموال فكيف انقلب أحدهم أو تحرك من حرارة العقوبة تدخل المسامير في جسمه فيجد لذلك أشد الألم، حتى إذا جأر إليه المعاقب يطلب الرحمة أجابه بكلمته السابقة إن الرحمة خور في الطبيعة:
ومن يتصف بمثل صفاته هذه ويكون في مثل شأنه هذا يكثر حساده ويشتد عليه أعداؤه.
ومن هم حساده وأعداؤه؟ إنهم عظماء الرجال في عهده: كالقاضي أحمد بن أبي داؤد، ويحيى بن خاقان، وإبراهيم ابن العباس بن محمد بن صول، وعلي بن جبلة، وأبي دلف القاسم ابن عيسى:
كتب إليه علي بن جبلة يقول، وكان قد قصد أبا دلف في بعض أمره:
يا بائع الزيت عرج غير مرموق ... لتشغلن عن الأرطال والسوق
من رام شتمك لم ينزع إلى كذب ... في منتماك وأبداه بتحقيق
إن أنت عددت أصلا لا تسب به ... يوما فأمك متى ذات تطليق
ولن تطيق بحول أن تزيل شجا ... أثبته منك في مستنزل الريق
الله أنشأك من نوك ومن كذب ... لا تعطفن إلى لؤم لمخلوق
ماذا يقول امرؤ غناك مدحته ... إلا ابن زانية أو فرخ زنديق
فأجابه محمد بن عبد الملك
اشمخ بأنفك يا ذا السيئ الأدب ... ما شئت واضرب حذاك الأرض بالذنب
ما أنت إلا امرؤ أعطى بلاغته ... فضل العذار ولم يربع على أدب
فاجمح لعلك يوما أن تعض على ... لجم دلاصية تثنيك عن كثب
إني اعتذرت فما أحسنت تسمع من ... عذري ومن قبل ما أحسنت في الطلب
صبراً أبا دلف في كل قافية ... كالقدر وقفا على الجارات بالعقب