يا رب إن ما أنشأت من عرب ... شروى أبي دلف فاسخط على العرب
أن التعصب أبدى منك داهية ... كانت تحجب دون الوهم بالحجب
ثم اتصلت المهاجاة بينهما زمنا بسبب تعصب علي بن جبلة لأبي دلف وليس غريبا ولا فضولا أن يتعرض علي بن جبلة لهجو محمد بن عبد الملك لا يحمله على ذلك إلا انتصاره لأبي دلف وإخلاصه له وتفانيه في حبه، فقد تعرض أبن أبي جبلة لغضب المأمون وناله ما ناله منه بسبب أبي دلف إذ قال فيه:
إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره
وإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
وقال:
أنت الذي تنزل الأيام منزلها ... وتنقل الدهر من حال إلى حال
وما مددت مدي طرف إلى أحد ... إلا قضيت بأرزاق وآجال
فأحفظه عليه، فليس يعقل أن يخشى سلطان محمد بن عبد الملك وهو لم يخش سلطان الخليفة وإن كان محمد بن عبد الملك قد بلغ من السلطان مبلغا جعل الناس يتملقونه، فيرضون عمن يرضى ويغضبون على من يغضب.
وهذا إبرهيم بن العباس الشاعر تنقلب صداقته لمحمد بن عبد الملك عداوة شديدة، وشحناء عظيمة ولا سبب لذلك فيما يغلب على الظن إلا أن ابن عبد الملك حسد إبراهيم حظه من الوجهة الأدبية فهو كاتب حاذق بليغ، فصيح منشئ، وهو إلى هذا شاعر مجيد يقول عنه أحد شعراء عصره لو تكسب إبراهيم بالشعر لتركنا في غير شيء. وحسد كذلك نباهة شأنه، وعلو قدره، حتى لقد تنقل في الأعمال الجليلة والدواوين إلى أن تولى ديوان الضياع والنفقات بسر من رأى - وكأنما كان يخشى منه ابن الزيات على نباهته أن يحملها، وسلطانه أن يذهب به، فهو يحمل عليه وينال من دينه وشرفه، ويرسل إليه أبا الجهم أحمد بن سيف ويكلفه أن يبحث بدقة في شئونه عسى أن يكشف عن أخطائه ويظهر من أغلاطه ما يأخذه به في غير حذر من لوم، فيكتب إليه إبراهيم.
وإني لأرجو بعد هذا محمداً ... لأفضل ما يرجى أخ ووزير
ولكن محمداً يقيم على أمره وأبا الجهم يلج في تحامله. فيكتب إبراهيم أيضاً إلى ابن الزيات