شاكيا أبا الجهم نائلا منه، واصفاً إياه بالكفر، إذ هو القائل لما مات غلامه يخاطب ملك الموت:
تركت عبيد بني طاهر ... وقد ملأ والأرض عرضا وطولا
وأقبلت تسعى إلى واحدي ... ضرارا كأن قد قتلت الرسولا
فسوف أدين بترك الصلاة ... وأصطبح الخمر صرفا شمولا
فينسب محمد لشدة عصبيته على إبراهيم هذا الشعر له ويرميه بالكفر دون أبي الجهم، ويأبى أن يصغي لتوسلاته إليه شعراً أو نثراً ولا ينقذه منه إلا الخليفة الواثق فهو الذي يرفع عنه، ويأمره أن يقبل منه ما رفعه من المال برغم ما ثبت عليه من عجز في إدارته في ديوان الضياع بما كشفه أحمد بن المدبر، حين جمع المتوكل بينه وبين إبراهيم فأخذ يروي من عجزه أمثلة لا تفتقر - وقد اعترف إبراهيم نفسه بعجزه وقال: إني لم أدفع أحمد بحجة ولا كذب عليّ في شيء مما ذكر. وينظر فإذا الناس يتحامون إبراهيم أن يلقوه، وقد انحرف عنه محمد به عبد الملك، حتى الحارث بن بشتخير الزريم المغني، وكان صديقاً مصافياً لإبراهيم يهجره فيمن هجره من الإخوان. فيكتب إليه إبراهيم:
تغير فيمن تغير حارث ... وكم من أخ قد غيرته الحوادث
أحارث إن شوركت فيك فطالما ... غنينا وما بيني وبينك ثالث
ويحس إبراهيم أن ابن الزيات رُدَّ عنه، فيبسط لسانه فيه ويهجوه كثيراً، ويقول له:
أبا جعفر خف خفضة بعد رفعة ... وقصر قليلا عن مدى غلوائكا
فإن كنت قد أوتيت عزا ورفعة ... فإن رجائي في غد كرجائكا
ثم يبلغه أنه مات فيقول:
لما أتاني خبر الزيات ... وأنه قد صار في الأموات
أيقنت أن موته حياتي
ويعاديه أحمد بن دؤاد فيهجوه ابن الزيات كثيراً ويجمع أحمد الشعراء ويحرضهم على هجاء ابن الزيات، ثم يقول فيه وقد بلغه أن أحد الشعراء هجاه بقصيدة عدتها سبعون بيتاً