وتكلم سيسوييف طويلا. . وكان يقف بين الحين والحين ليلتقط نفسه، وكان يتصنع البلاغة وحسن التأثير حتى أصبح كلامه مملا ممجوجا. وظل يردد الإشارة إلى أعدائه ويكرر نفسه ويسعل ويمد أصابعه في الفضاء باشارات غير مناسبة، وأخيراً أنهكت قواه وتصبب العرق من كل بدنه وانخفض صوته حتى لكأنه يحدث نفسه وختم كلامه بجمل غير مترابطة (وعلى هذا فأنا أقترح شرب نخب بروني أعني أدولف أندرييتش، الذي هو بيننا. . . وبصفة عامة. . . تفهمون ما أقول. . .)
وحينما انتهى من حديثه تنفس الجميع الصعداء كأنما رش أحدهم ماء باردا فصفا الجو. . ولم يكن قد بقي فيهم أحد على مرحه إلا بروني الذي شد على يد سيسوييف مصافحا وعاد وجهه ينضح بالبشر قائلا:
(أشكرك. وأشعر بسعادة عظيمة لأنك فهمتني! إنني ارجو من كل قلبي أن يكون كل شيء حسناً ولكن يجب أن الاحظ أنك تضخم من أهميتي كثيراً وإن نجاح المدرسة يرجع في الحقيقة إليك أنت يا صديقي. فلولاك أنت لما امتازت من أي مدرسة أخرى. وقد تظن أنني أجاملك، ولكني لا أجامل أحداً. وإذا كنا ندفع لك خمسمائة روبل في السنة فلأننا نقدرك. أليس كذلك أيها السادة؟ إن ما أقول صحيح. إليس كذلك؟ إننا لن نكن لندفع لغيره مثل هذا الأجر. والواقع أن المدرسة الطيبة السمعة هي شرف للمصنع!)
فقال المفتش (لايسعني إلا أن أقول إن مدرستكم ممتازة ولا تظنوا هذا رياء، فإني لم أصادف مدرسة أخرى كهذه في حياتي. وبينما كنت أجلس لامتحان التلاميذ كان يغمرني الإعجاب. . تلاميذ مدهشون! إن معلوماتهم جيدة وإنهم يجيبون إجابات مشرقة وفي الوقت ذاته فإنهم - على نحو ما - ممتازون. ثم هم صادقون في عواطفهم، ويستطيع الإنسان أن يجزم بأنهم يحبونك يافيودور لوكيتش. إنك ناظر مدرسة لحما ودما. ولا بد أنك ولدت مدرساً. فإن فيك جميع المواهب، من ميل فطري وتجريب طويل وحب لعملك. وإنه - بالاختصار - يدهشنا - بالنظر إلى ضعف صحتك - أن نرى فيك كل هذا النشاط والفهم والمواظبة والثقة بنفسك. لقد وصفك أحدهم في اجتماع مدرسي بانك شاعر في عملك. أجل إنك لشاعر!)