للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهب الحاضرون على الطعام كرجل واحد يتحدثون عن مواهب سيسوييف وكأنما فتح خزان فسال طوفان من الكلمات الحماسية الصادقة. ونسي الجميع خطبة سيسوييف وحالته العصبية المنكرة ووجهه المعبر عن الحقد والكراهية. وجعلوا يتحدثون بحرية حتى أولئك المدرسون الجدد المستحون الذين كانوا لا يتحدثون إلى المفتشين إلا بقولهم (سعادتكم). وكان من الجلي أن سيسوييف - في محيطه - رجل ذو حيثية.

ولما كان قد تعود النجاح وسماع المديح مدة الأربعة عشر عاما التي قضاها ناظرا مدرسة فإنه كان يستمع بغير اهتمام إلى حماسة المعجبين. .

وكان بروني هو الذي شرب نخب هذا المديح بدلا من سيسوييف، فقد انتبه لكل كلمة تقال وكان يصفق ويهلل وينحني متواضعاً كأنما كان كل هذا المديح خاصاً به هو لابناظر المدرسة. وكان يصيح قائلا: (مرحى. . مرحى! هذا حق! لقد عرفتم ما أقصد!. . بديع!!)

وكان ينظر إلى ناظر الدرسة كأنما يريد أن يشاركه فرحه وأخيراً لم يطق صبراً، فقفز واقفاً وغطى بصوته جميع أصواتهم وهو يصيح: (أيها السادة! اسمحوا لي أن أتكلم! هس! أمام كل الذي تقولونه ليس لي إلا جواب واحد: وهو أن إدارة المصنع لن تنسى ما أداه فيودور لوكيتش من الخدمات!. . .)

وساد الصمت. ورفع سيسوييف بصره إلى وجه الألماني المتورد الذي عاد يقول: (إننا نعرف كيف نقدر مجهوداته. والجواب على كلماتكم هو أن أخبركم أن مبلغاً من المال قد وضع في المصرف في الشهر الماضي من أجل عائلة فيودور لوكيتش). فنظر سيسوييف متفهماً إلى الألماني وإلى زملائه كأنه غير قادر أن يفهم لماذا وضع المبلغ لعائلته وليس له هو. وفي لحظة واحدة استطاع أن يرى جميع الوجوه المنحدرة إليه، وفي العيون المثبتة نحوه، لا إحساس العطف ولا الشفقة التي لم يكن يحتملها، بل شيئاً آخر عطوفاً رقيقاً، ولكنه في الوقت ذاته مشؤم مخيف كأنه حقيقة واقعة. شيء سري كالقشعريرة في جسده وملأ قلبه بيأس دفين، فقام فجأة بوجه ممتقع وضرب وأسه بيديه، وظل هكذا ربع دقيقة وهو يحدق في نقطة امامه، كأنه يرى الموت الذي تحدث عنه بروني. . . ثم جلس ثانية والدموع تنهمر من عينيه. وسمع من حوله أصواتاً فزعة تقول: ماذا؟ ماذا؟ ماء اشرب شيئاً من الماء!)

<<  <  ج:
ص:  >  >>