وقد شاهدت شيئاً كثيراً من ذلك الطير نازلا على طول الطريق من نفيشة إلى السويس وهو على هيئة صفوف الجند بعضها خلف بعض ساكن القلب لا يزعجه مزعج ولا يحركه محرك، وقد أخبرني بعض أهالي نفيشة بأنه قد نزل عليهم منذ أيام وهو يترصد الجراد الزاحف من بلاد الشرقية إلى الحوف الشرقي حتى إذا مر قام من فوره وسد عليه الطريق وجعل يضربه بأجنحته ومنقاره ويبتلع منه الألف فلا يستقر في جوفه لحظة حتى يتقياها فإذا أفلت منه شيء تعقبه وقتله ثم يعود إلى مكانه متربصا. قيل وبقى على هذه الحال أياما حتى قامت تلك الريح واكتسحت ما بقى من الجراد، فسبحان مدبر الأكوان ومسلط الأبدان على الأبدان إنه خلاق عظيم سبحانه جل شأنه).
وأغار الجراد بعد ذلك على الديار المصرية في سنة ١٩٠٤ فورد أول بلاغ عن ظهوره من منطقة العريش في ٢١ مارس سنة ١٩٠٤ ثم تلته بلاغات أخرى طول شهر إبريل عن ظهوره في الوجه البحري وشمال القاهرة. وكانت أرجاله قد جاءت من صحراء العرب وشبه جزيرة سينا، فأغارت على مديريات الدقهلية والشرقية والقليوبية وكل بلاد مصر الوسطى ومديرية المنيا حتى سمالوط. وصار يضع بيضه أينما حل. واستمرت غاراته طول شهر مايو والنصف الأول من شهر يونيه فلم يترك بلداً من بلاد مصر إلا ونزل بها. وكانت وزارة الداخلية المنوطة بمقاومته وتخليص البلاد من شره فأصدرت إلى رجالها في الأقاليم المنشورات ليحثوا الأهالي على مكافحته.
وأغار الجراد على مصر بعد ذلك عدة إغارات صغيرة في سنة ١٩١٤ شوهدت أرجاله خلالها في أسوان وكوم امبو وأدفو والمعادي وفارسكور وسيدي براني. ثم تلت هذه الغارات غارة كبرى في سنة ١٩١٥ فظهرت أسرابه أول الأمر في الواحة البحرية في شهر يناير ولكنه لم يبلغ عنه إلا في ٢ فبراير. وقد شوهدت أرجال الجراد في وادي الريان والواسطي والصف والعياط وشبين القناطر ونوى وفي أسوان، ولم ينتصف شهر فبراير إلا وأطبقت جحافله على الوجه البحري ومديريات الجيزة والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وجرجا وقنا وشبه جزيرة سينا، واستمرت غاراته حتى أوائل يونيه فلم تسلم منه بلد في القطر المصري حتى واحة الفرافرة. ووقع حمل مقاومته في هذه الغارة الكبرى على عاتق وزارة الزراعة فلم تأل جهداً على حداثة سنها (ولدت سنة ١٩١٣) في