رصيف المحطة وقد وصلوا تواً بالقطار. وهكذا تحقق بهذا الحادث اعتراف (أولجا) الذي صعق الرئيسة. فقد قال الضابط للمحقق إن (مسجرسكي) قد أخرجته عن وعيه، وإنها فيما مضى كانت لها به صلة من صلات العشق الخفي، وإنها وعدته بالزواج منه، وفي محطة القطار في يوم مقتلها عند ما رأته يغادر المدينة إلى (نوفوجركاسك) أخبرته بغتة بأنها لن تفكر في الزواج منه، وان كل ما قالته له من أمر الزواج لا يتعدى السخرية منه والهزء به، وإنها ناولته مذكرتها ليقرأ فيها تلك الصفحات التي كانت قد كتبتها عنه.
قال الضابط (ألقيت نظرة عجلى على تلك الصفحات - وذهبت إلى الرصيف حيث كانت تخطر جيئة وذهاباً تنتظرني ريثما أفرغ من قراءتها وسددت إليها مسدسي فقتلتها. وتلك هي المذكرة في جيب معطفي، انظر تحت تاريخ ١٠ يوليو من السنة الماضية. . .). وهذا ما قرأه المحقق:
(الساعة الآن الثانية صباحاً، استغرقت في نوم عميق لكنني ما لبثت أن استيقظت مرة أخرى. . . أصبحت اليوم امرأة. أبي وأمي و (توليا) كلهم سافروا إلى المدينة وبقيت وحدي. ما أسعد الإنسان أن يكون وحده. آه لو أستطيع أن أصف مبلغ سعادتي بوحدتي هذا اليوم. في الصباح أخذت أتمشى في البستان بالمزرعة. دخلت في الأيكة الوارفة الظل. خيل إليّ أنني وحدي في هذا العالم كله. ليس فيه غيري. لم تلم بي قبل اليوم أمثال هذه الخواطر والأفكار اللذيذة. . . ما أحلاها. . . تناولت طعام الغداء وحدي، ثم لعبت ساعة من الزمن. . . وألقت الموسيقى في روعي بأنني يجب أن أعيش أبداً وأن أكون أسعد مخلوق على وجه الأرض! ثم أخذتني سنة من الكرى في غرفة الاستقبال الخاصة بأبي. وفي الساعة الرابعة أيقظتني (كيت) وقالت لي إن (الكس ميكالوفتش) قد حضر إلى هنا. كم سررت بلقائه. كم كان جميلا أن استقبله وأكرم مثواه. جاء ومعه جوادان مطهمان. ما أجملهما؟ ظلا طيلة لبثه واقفين عند الباب الأمامي. لكنه لبث هنا لأن المطر كان ينهمر كأفواه القرب وأنه يرجو انقطاعه وجفاف الطريق عند المساء. أسف أشد الأسف لعدم لقائه أبي في البيت، كان مبتهجاً خفيف الروح مترعاً بالحياة، عاملني بكل لطف وأدب. وصار يتنادر معي ويذكر في دعابه وفكاهة أنه وقع في شراك حبي من زمن بعيد. وقبيل تناول الشاي أخذنا نخطر في البستان بين الرياحين والأغصان المتمايلة وكان الجو رائعاً فاتناً،