للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شبابي وأم أبنائي. فهتفت بي (توتي أيها المسكين. مالك تنتفض. ما لعينيك مظلمتين. . .؟!) فقلت لها محزونا مكتئباً (يا أختاه. . وقع المحظور. . . وحل الخبيث بجسم زوجك. هيئي الفراش ودثريني. ونادي الحكيم والأبناء والأحباب: قولي لهم إن توتي على فراشه يضرع إلى ربه، فاضرعوا معه. واسألوا له الشفاء!) وحملتني التي تهواني على صدرها. وجاء الحكيم فجرعني الدواء وأشار بإصبعه إلى السماء وقال لي: (توتي. . . أيها الكاتب الكبير! يا خادم الأمير الجليل! أنت في حاجة لرحمة الرب. فادعه من أعماق قلبك). ورقدت لا حول لي ولا قوة. يا آمون المعبود جلت حكمتك! ألم أصحب سيدي الأمير إلى الشمال في جيوش فرعون؟ ألم أشهد القتال في صحاري زاهي؟ ألم أحضر قادش مع الغزاة البواسل؛ بلى أيها الرب. ونجوت من الرماة والعجلات والمعارك. فكيف يتهددني الموت في قريتي المحبوبة الآمنة بين أحضان زوجي وأمي وأبنائي؟! وغرقت في أبخرة الحمى. واشتد الدوار برأسي، وسال بلساني الهذيان، وشعرت بيد الموت ترتاد قلبي. ما أقساك أيها الموت! أراك تتقدم إلى هدفك بقدمين ثابتتين وقلب صخري، لا تتعب ولا تسأم ولا ترحم، لا تهزك الدموع، ولا تستعطفك الآمال. تدوس حبات القلوب، وتتخطى الأماني والأحلام. ثم لا تبدل سنتك ولو كان الفريسة في ربيع العمر الزاهر. توتي في السادسة والعشرين ذو بنين وبنات، ألا تسمع؟ ماذا يضيرك لو تركت أنفاسي تتردد في صدري؟ دعني ريثما أشبع من هذه الحياة الجميلة المحبوبة. إنها لم تسؤني قط ولم أزهد فيها أبداً. أحببتها من أعماق الفؤاد ولا أزال على العهد. كانت الصحة طيبة والمال موفورا والآمال كباراً. ألم تحط بكل أولئك خبراً؟ ومن حولي قلوب محبة ونفوس والهة، أفلا تنظر إلى الأعين الدامعة؟ كأني لم أعش ساعة واحدة في هذه الحياة الجميلة المحبوبة. ماذا رأيت من مشاهدها؟ ماذا سمعت من أصواتها؟ ماذا أدركت من معارفها؟ ماذا ذقت من فنونها؟ ماذا جربت من ألوانها؟ أي فرص ستضيع غداً؟ أي نشوات ستخمد! أي عواطف ستهمد! أي مسرات ستبيد! ذكرت ذلك جميعه. ودارت بخلدي أشياء أخرى لا حصر لها ولا حد، ما بين مفاتن الماضي وسحر الحاضر وأماني المستقبل. وجرت أمام حواسي الورود والحقول والمياه والسحاب والمآكل والمشارب والألحان والأفكار والحب والأبناء وقصر الأمير وحفلات فرعون والرتب والنياشين والألقاب والفخر والجاه وتساءلت: أيمضي كل هذا إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>