للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ميادين الحضارة والعزة والغلبة.

هذه خلاصة ما يحدث، أو ربما يحدث من توثب الفكر الديني - خيره وشره - بعد الحرب.

وما ذكرته أصول لها ذيول لا يمكن استيفاؤها إلا في مصنفات أو محاضرات تلقى في غير هذه الحفلة. أما حفلتنا هذه فيكفيها ما اجترأت به عليها مذ شغلتها بغير ما أعدت له: أعدت هذه الحفلة (بعد البيانات الرسمية) لبحوث اللغة وطرق وقايتها مما يهدد سلامتها.

ومهما ذكرت لكم من مهددات سلامة اللغة لا آتى بشيء تجهلونه بل سأعمد إلى عكس ذلك: فأذكر لكم أيها السادة من أسباب سلامة اللغة وضمانة أبديتها شيئاً جديداً، شيئاً فيه طرافة وفيه استجمام، وفيه استشفاف لما يأتي به الغد القريب من صنع الله العجيب.

يعود نشاط الآراء وتوثب الحرية في المسائل الاجتماعية بعد الحرب إلى أشد مما كانت عليه قبلها. ويعود الداعي فيدعو إلى الشيء النكر: إلى استبدال اللغة العامية باللغة الفصحى، ولا أطيل القول في هذه المسألة لما أنكم أيها السادة المصريون خاصة أعرف بها وبمبتدأ خبرها من كل أحد. فالدعوة إلى اللغة العامية أشأم ما يهدد لغتنا العربية، وهناك مسألة أخرى وهي استبدال الحروف اللاتينية بحروف كتابتنا العربية. . . وهذه الدعوة أيضاً قد علمتم من أمرها أكثر مما علمتم من أمر الدعوة الأولى، إذ لم تهدأ بعد هماهم الداعين إليها، وشقاشق الرادين عليها، وهي فلتة قام على أنقاضها نهضة مباركة تدعو إلى تيسير الكتابة العربية وتسهيل الإفادة والاستفادة منها، وذلك من طريق إضافة حركات أو نترات موصولة بأطراف الحروف العربية أو أوساطها، فتصبح الكتابة العربية (ونسميها الكتابة الميسرة) سهلة في القراءة، قريبة التناول في الطباعة، خفيفة الظل على المعلمين والمتعلمين، ولا شؤم في هذا المشروع ولا ضير، بل إن فيه الخير كل الخير.

ومثله مشروع إصلاح قواعد اللغة العربية والاقتصار من مسائلها على ما تمس إليه الحاجة وتتوقف عليه صناعة البيان وملكة الإفصاح. . . وهذان المشروعان (تيسير الكتابة، وإصلاح قواعد اللغة) أهم ما يعنى به مجمعنا في دورته التي نحن واقفون على عتبتها، غير أن بعض المتشائمين يعترضنا ويقول: إن ما عرض حتى الآن من نماذج الكتابة الميسرة لا يخرجها عن كونها كتابة مستقلة ذات طابع خاص وشكل خاص، لا يحسنه إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>