للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فتارة يعبر عن المعنى المراد بالتعبير المتكافئ المعنى واللفظ، والذي يستخدم الألفاظ الوضيعة وحدها، وتارة يستعير لفظاً واحداً من غير أسرة الألفاظ التي في الجملة ليحرك به الخيال ويلمس الحس لمساً رفيقاً، وتارة تكون ألفاظ الحقيقة وملابسات الخيال متساوية، وتارة تكون ملابسات التصوير وإثارة الخيال هي الغالبة، وتارة تكون هي الكل، ومع ذلك يحتفظ القرآن في كل أولئك بأسلوبه المتفرد وسر إعجازه؛ فليس التصوير الفني وحده هو سر الإعجاز في تعبيره كما يرى المؤلف الصديق.

وحديث سر الإعجاز حديث شغل الباحثين في القرآن من قديم، ولا يزال يشغلهم للآن، وسيظل يشغلهم أبد الدهر، ولن يصلوا إليه (ويدركوه) وقد (أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض)؛ لأننا نستطيع في اليوم الذي (نصل) فيه إلى إدراك سر الإعجاز في تعبير القرآن أن نستخدمه في صنع كلام معجز. . . وحينئذ لا يكون معجزاً. . . مادام مفتاحه بأيدينا وفي طوق صنعتنا.

فالمعجز من أمور الحياة هو ما لا يمكن الوصول إلى سره واستخدامه. ونحن نجد في مواريث أرباب البيان الرفيع في كل لغة استخدام التصوير الفني للتعبير عن (المعاني الذهنية والحالات النفسية والحادث المحسوس والمشهد المنظور والنموذج الإنساني والطبيعة البشرية) إلى آخر ما قرره المؤلف من الحالات والسمات والمواقف التي رأى القرآن يعبر عنها على قاعدة التصوير التي تجعل (المستمعين نظارة) فلو لم تفلت هاتان الكلمتان من قلم المؤلف الواعي، ولو لم يحاول أن يجعل قضية كتابه التي عنونه بها (قاعدة ومذهباً مقرراً وخطة موحدة وخصيصة شاملة) يفضلها أسلوب القرآن أو بالأحرى تعبيره، إذا لجاء المعنى الذي أراده خالياً من هذا التعميم، ولكان موضوعه كما يحدده عنوان الكتاب هو استقراء (الصورة الفنية) في القرآن وعرضها والتعليق عليها وبيان ما فيها من روعة وأسرار.

في الكتاب فصل عن (المنطق الوجداني) يتصل بالمباحث العقلية حول القرآن وأسلوب دعوته إلى الأيمان بالله الواحد وقضايا الدين. وهو فصل أثار في نفسي تعليقاً وخواطر حول بيان أساس الدين، وهل هو الوجدان أو العقل؟

والمؤلف يرى أنه الوجدان، وأن الذهن ليس أوسع المنافذ ولا أصدقها ولا أقربها إلى الدين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>