للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ثم كتب إلى الحجاج بما فتح الله عليه من بلاد العدو، وبما صنع الله للمسلمين، بهذا الرأي الذي رآه لهم، فلما أتى كتابه إلى الحجاج كتب جوابه: كتابك كتاب أمريء يحب الهدنة، ويستريح إلى الموادعة، فامض لما أمرتك به من الوغول في أرضهم وإلا فأن إسحاق بن محمد أخاك أمير الناس، فحله وما وليته. فكبر ذلك على عبد الرحمن، ثم جمع الناس إليه ودعاهم إلى الخروج على الحجاج فأسرعوا إلى إجابته، وكان أكثرهم من أهل العراق الذين يضمرون البغض لبني مروان، ولم يقتصروا على خلع الحجاج، بل خلعوا بعده عبد الملك بن مروان، ونادوا بعبد الرحمن أميراً عليهم وانقلبوا في يوم وليلة يذكرون ظلم الحجاج، وظلم عبد الملك بن مروان، وكانت بيعتهم لعبد الرحمن: تبايعون على كتاب الله، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى جهاد أهل الضلالة وخلعهم، وجهاد المحلين، فإذا قالوا نعم بايع. ثم صالح رتبيل على أنه إن ظهر على الحجاج فلا خراج عليه أبداً ما بقي، وإن هزم فأراده الجأه عنده، وكان سعيد بن جبير فيمن خرج مع عبد الرحمن وبايعه.

ولاشك من ينظر إلى هذه الوقائع يجد أن عبد الرحمن لم يخرج على الحجاج غضباً لله تعالى، وإنما خرج غاضباً لنفسه حين كتب إليه الحجاج يرميه بالعجز والضعف، ويولي مكانه أخاه إسحاق ابن محمد، وقد دفعه الغرور بنفسه إلى هذا الخروج وهو ليس بأهل لما نصب نفسه له من الإمارة على المسلمين، وقد كان يوجد من الصحابة والتابعين في عصره من لا يذكر بجانبهم، ومع ذلك آثروا السكون للمصلحة، ورأوا أن الإسلام في حاجة إلى فترة من الهدوء بعد تلك الفتن، ولقد أساء عبد الرحمن إلى الإسلام حين صالح رتبيل ذلك الصلح الشائن، وعمد إلى السيف الذي كان يجب أن يصوبه إليه فصوبه إلى رقاب المسلمين، وأعادها فتنة عمياء كتلك الفتن التي لا يزال الإسلام يجني آثارها إلى اليوم، ولكن الغلطة غلطة الحجاج حين يولي عبد الرحمن هذه الإمارة وهو لا يثق به، ويعرف أنه لا يخلص لأهل دولته، وقد نصحه إسماعيل بن الأشعث فقال له: لا تبعه، فوالله ما وصل جسر الفرات قط فرأى لوال من الولاة عليه طاعة وسلطاناً، وأني أخاف خلافه. فقال الحجاج: ليس هناك، هولي أهيب، وفيَّ أرغب من أن يخالف أمري، أو يخرج من طاعتي.

وكان على سعيد بن جبير أن يعرف كل هذا، وان يذكر كل ما كان بينه وبين الحجاج، وألا

<<  <  ج:
ص:  >  >>