للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سياق الحديث، وقد يكون غير مقصود. ولكن أمراً عاديا كهذا لا يدل على أي حال، على أن الكتاب قد ألف في أوقات متفرقة أو كتب بعض فصوله بمعزل عن البعض الآخر، كما يذهب إلى ذلك الأستاذ العقاد. وان الواحد منا ليكتب خطاباً إلى صديق فيتحدث فيه عن شخص ثالث مرة بلقب الصديق، وأخرى بلقب الأخ، وثالثه بلقب الأستاذ، ورابعة بلقب الدكتور. . .، بدون أن يكون في ذلك دليل على أن الخطاب قد كتبت بعض أجزائه بمعزل عن البعض الآخر. وأكبر الظن ان الأستاذ العقاد نفسه لو كان قد ذكر اسمي في مقاله أكثر من مرة لتعددت ألقابي لديه عن قصد وعن غير قصد.

ومن ذلك أيضاً ما ذكره الأستاذ بصدد خلاصة الكتاب إذ يقول: (وخلاصة الكتاب كله أن الأسرة نظام اجتماعي لا طبيعي، كما جاء ففي الفصل الثالث. . .)

وحقيقة الأمر أن خلاصة الكتاب، كما بينت ذلك بصراحة في مقدمته وفي فصله الأخير، تشتمل على ثلاث حقائق: إحداها الحقيقة التي أشار إليها الأستاذ العقاد؛ وثانيهما (أن نظم الأسرة ليست من صنع الأفراد، ولا هي خاضعة في تطورها لما يريده لها القادة والمشرعون. وإنما تنبعث من لقاء نفسها عن العقل الجمعي واتجاهاته، وتخلقها طبيعة الاجتماع وظروف الحياة، وتتطور وفق نواميس عمرانية ثابتة، وأن القادة والمشرعين ليسوا في هذه الناحية وغيرها إلا مسجلين لاتجاهات مجتمعاتهم ومترجمين عن رغباتها وما هيئت له. فإن انحرفوا في تشريعهم عن هذا السبيل كان نصيبهم الإخفاق المبين)؛ - وثالثه هذه الحقائق (أن نظام السرة في أمة ما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمعتقدات هذه الأمة وتقاليدها وتاريخها وعرفها الخلقي وما تسير عليه من نظم في شؤون السياسة والاقتصاد والتربية والقضاء، وما تمتاز به شخصيتها الجمعية، ويكتنفها من ظروف في شتى فروع الحياة، وأنه في طريق تطوره يسير منسجماً مع هذه الأمور. فشأنه معها شأن جهاز مع بقية أجهزة الجسم الحي. يسير في أداء وظائفه ومناهج تطوره على طريق ينسجم مع طريق الأجهزة الأخرى؛ ولا يستقيم أمره وأمر الجسم الذي يحل فيه إلا إذا سار على هذا السبيل. فإن لم يراع القادة والمشرعون هذه الحقيقة في علاج النظام العائلي جاء إصلاحهم عنصراً غربياً في حياة الأمة، تتجرعه الجماعة تجرعاً ولا تكاد تسيغه، وتتظافر نظمها الأخرى على مطاردته ودفعه، ولا تنفك تطارده وتدفعه حتى تجهز عليه، فيصبح أثراً بعد

<<  <  ج:
ص:  >  >>