للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

له في الأدب والبلاغة (مالح) كمالح ذي الرمة وإن كان ابلغ الناس لا ابلغ كتاب الصحف وحدهم.

و (المالح) الذي رأيناه لكاتب بليغ من أصحابنا أنه كتب في إحدى الصحف عن ديوان هو في شعر هذه الأيام كالبعث بعد موت شوقي وحافظ رحمهما الله، فيأتي بالمجاز بعد الاستعارة بعد الكناية مما قاله الشاعر ثم يقول: هذا عجيب تصوره، لا أعرف ماذا يريد، البلى للشعاع غير مقبول. ولا يزال ينسحب على هذه الطريقة من النقد ثم يعقب على ذلك بقوله: (والأصل في الكتابة أنها للافهام، أي نقل الخاطر أو الإحساس من ذهن إلى ذهن ومن نفس إلى نفس، ولا سبيل إلى ذلك إذا كانت العبارة يتعاورها الضعف والإبهام والركاكة وقلة العناية بدقة الأداء، وإذا كنت تستعمل اللفظ في غير موضعه ولغير ما أريد به، فكيف تتوقع مني أن افهم منك.)

لا، لا، هذا (مالح) من مالح الأدب، فإذا كان الضعف والإبهام والركاكة وسوء الإفهام وضعف الأداء - آتية في رأي الكاتب من استعمال اللفظ في غير موضعه ولغير ما أريد له - فان محاسن البيان من التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية ليس لها مأتى كذلك إلا استعمال اللفظ في غير موضعه ولغير ما أريد له.

وعلى طريقة الكاتب كيف يصنع في قوله تعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً).

أتراه يقول: كيف قدم الله، وهل كان غائباً أو مسافراً، وكيف قدم إلى عمل، وهل العمل بيت أو مدينة؟

ثم كيف يصنع في هذه الآية: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك) أيسأل: وهل للأرض حلق تحركه عضلاته للبلع، وإذا كان لها حلق أفلا يجوز أن ترمي فيه فتحتاج إلى غرغرة وعلاج وطب؟

وماذا يقول في حديث البخاري: إني لأسمع صوتاً كأنه صوت الدم، أو صوتاً يقطر منه الدم (كما في الأغاني) أيوجه الاعتراض على الصوت وجرحه ودمه، ويسأل: بماذا جرح، وما لون هذا الدم، وهل للصوت عريق فيجري الدم فيها؟

إن الإفهام ونقل الخاطر والإحساس ليست هي البلاغة وان كانت منها، وإلا فكتابة الصحف

<<  <  ج:
ص:  >  >>