ويوؤلونها تأويلاً، ويحسبونها شطحة من شطحات اللسان. والشطحة عندهم (عبارة عن كلمة عليها رائحة رعونة ودعوى وهو من زلات المحققين فإنها دعوى بحق يفضح بها العارف من غير إذن إلهي بطريق يشعر بالنباهة) وهم يؤولون كلام هؤلاء كما قلنا فيقولون: نعم، في ظاهر هذه الكلمات خروج عن المألوف والذوق، ولكنهم لا يقصدون ظاهر هذه الألفاظ بل بواطنها وذلك لا يدركه إلا من سما في العلم الإلهي وفي درجات المعرفة.
ثم قالوا:(وإن للقوم عبادات تفردوا بها واصطلاحات فيما بينهم لا يكاد يستعملها غيرهم تخبر ببعض ما يخفى وتكشف معانيها بقول وجيز، وإنما نقصد في ذلك معنى العبادة دون ما تتضمنه العبادة فإن مضمونها لا يدخل تحت الإشارة فضلاً عن الكشف) وإن القوم في حالة سكر في الذات العلمية وفي غيبوبة تامة.
قالوا ومن هذا القبيل قول سهل بن عبد الله التستري إذ يقول:(أعرف تلامذتي من يوم ألست بربكم، وأعرف من كان في ذلك الموقف عن يميني ومن كان عن شمالي، ولم أزل من ذلك اليوم أربي تلامذتي وهم في الأصلاب لم يحجبوا عني إلى وقتي هذا) وقوله: (أشهدني الله تعالى ما في العلى وأنا ابن ست سنين، ونظرت في اللوح المحفوظ وأنا ابن ثماني سنين، ورأيت في السبع المثاني حرفاً معجماً حار فيه الجن والإنس ففهمته وحمدت الله تعالى على معرفته، وحركت ما سكن وسكنت ما تحرك بإذن الله تعالى وأنا ابن أربع عشرة سنة).
وامتازت فلسفة هؤلاء المتصوفة أصحاب الذوق بأسلوب جديد مبتكر أخاذ هو الشعر الغزلي التصوفي الذي أطلقوا عليه اسم (الغزل الصوفي) كما نعتوا الحب البريء (بالحب الأفلاطوني) أو (الحب العذري) وفيه الرمزية والخيال البعيد. ولنا في باب (الغزل الصوفي) طائفة من كبيرة من الشعراء. والتصوف في حد ذاته نوع من أنواع الشعر أو الفن، ففيه عاطفة جامحة؛ لذلك كان أكثر المتصوفة ينظمون نظماً دقيقاً فيه عاطفة دقيقة وإن كانوا قد خرجوا فيه كما خرجوا في نثرهم عن القيود الدينية المألوفة والأساليب المتعارفة كما نجد ذلك في شعر الحلاج وفي شعر محي الدين ابن عربي وفي شعر السهروردي وأمثالهم. ويكفينا في هذا الباب ما نظمه الشيخ المتصوف سيدي إبراهيم