بعض عشائر من عرب الجاهلية كانت تقتل أولادها ذكورهم وإناثهم في بعض الحالات؛ وعشائر أخرى كانت تصطفي الذكور وتئد البنات وفي كثير من الشعوب كانت النظم الاجتماعية توجب على الآباء تقديم أولادهم أو بعضهم في حالات خاصة قرباناً للآلهة. ومن هؤلاء قدماء المصريين والعبريين والعرب في الجاهلية. بل إن أقدم صورة للأضحية في المجتمعات قد تمثلت في الأضحية الإنسانية التي يقدمها الآباء من أولادهم. وفي معظم المجتمعات الإنسانية، إن لم يكن في جميعها، لا يقوم الأب بحضانة ولده من السفاح؛ مع أن الغريزة لا تفرق بين ولد شرعي وولد غير شرعي، وإنما جاءت هذه التفرقة من النظم الاجتماعية وحدها. بل إن الأم نفسها كثيراً ما تتخلى في هذه الحالة عن الحضانة فتقتل ولدها أو تلقيه في الطريق، متصامّة عن نداء الغريزة، خشية ما تجره عليها نظم مجتمعها وعرفه الخلقي.
وإذا كان الآباء في معظم مجتمعاتنا المتمدينة الحاضرة يسيرون في حضانة أولادهم في حالة الزواج الشرعي وفق المنهج الغريزي إلى حد ما، فإن السبب في ذلك يرجع إلى أن النظم الاجتماعية قد أوجبت عليهم حضانة أولادهم وتربيتهم على هذا الوضع، وأتاحت لهم بذلك إرضاء غرائزهم، ولو أنها سارت بهم في طريق آخر، كما كان الشأن في شعوب أخرى كثيرة، ما استطاعوا إلى مقاومتها سبيلاً، وما وجدت غرائزهم منفذاً إلى الظهور. على أن هذه الحضانة، إذ يقرها المجتمع ويوجها على الآباء، لا يتركها للغريزة تتجه بها كما يشاء، بل يتدخل في تنظيمها ويضع لها قيوداً وأحكاماً تبعد بها كبيراً عن طريقها الفطري. وإن نظرة يسيرة في أحكام الحضانة في القانون الروماني القديم والقانون الفرنسي الحديث وفي الشريعة الإسلامية، وفيما تقرره هذه الشرائع من أحكام وقيود بهذا الصدد في حالة بقاء عقد الزواج، وفي حالة فسخه، وفي حالة موت أحد الزوجين، وفي حالة زواج أحد الأبوين بزوجة أخرى أو زوج آخر. . . إن نظرة يسيرة إلى هذه الأمور وما إليها لكافية في الدلالة على أن النظم الاجتماعية، حتى في حالة إقرارها مبدئياً لحضانة الأبوين لأولادهما لا تترك هذه الحضانة للغريزة توجهها كما تشاء، بل تتدخل في تفاصيلها وعناصرها ومدتها، وتضع لها من القيود ما يبعد بها كثراً عن سنن الغريزة
أفبعد هذا دليل على أننا بصدد نظام يقوم على مصطلحات اجتماعية لا على أمور تقررها