يقصدون أيضاً ما يتفرع عنها من الجنس السامي في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان، وما يتصل بها من الجنس الحامي في مصر وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش، وكانوا يعتقدون أن رابطة تشمل هذه الأقطار مما يدخل في دائرة الإمكان، بل إنها قائمة روحياً ومعنوياً، لا ينقصها نحو التنفيذ والإنجاز!
وإذا كان دعاة (الإسلامية) قد وقفوا في تأييد دعوتهم عند أساليب الحث والوعظ والتذكير والإهابة بضرب الأمثال وأناشيد المجد السالف، فإن دعاة (العربية) قد أخذوا في دعم فكرتهم بأساليب الفلسفة السياسية والاجتماعية، وخلعوا عليها لباساً علمياً من النظريات العلمية التي كانت شائعة بين العلماء في ذلك الوقت. كانت الجامعة السياسية في رأي علماء الألمان تقوم على وحدة اللغة ووحدة الجنس، وعند علماء الطليان ترتكز على وحدة التاريخ ووحدة العادات، وعلى مذهب الفرنسيين تعتمد على وحدة الطموح السياسي ونفوذ السلطان، وفي جماع هذه الآراء والاتجاهات وجد دعاة العربية برهاناً لدعوتهم، من وحدة اللغة، ووحدة الجنس، ووحدة التاريخ، ووحدة التقاليد، ووحدة الطموح السياسي، وبهذه الصبغة صبغوا دعوتهم ونادوا بفكرتهم وانتصروا لها بكل ما يملكون من أساليب البيان واللسان
وأذكى تيار هذه ما كان من غطرسة الحكم التركي في الاستخفاف بحقوق العرب والنظر إليهم بعين الإغضاء والاستهانة، وقد اضطرت تركيا تحت هذا الضغط إلى إصدار كثير من (الفرمانات) تعلن فيها المساواة بين الأجناس والأديان في السلطنة العثمانية، ثم أعلنت دستور سنة ١٩٠٩، فغمرت العرب موجة من السرور والارتياح، وشاموا في هذا بداية عهد جديد يؤدي إلى جمع القلوب، ولكن سرعان ما تكشفت الأمور فإذا هي هباء وألاعيب، وإذا الاتحاديون الذين أعلنوا الدستور وجاهدوا من أجله اشد الغلاة في هضم حقوق العرب والاستهانة بحريتهم وكرامتهم، وظهر لأبناء العروبة أن (الفرمانات) التي حررت، والدستور الذي أعلن لم يكن إلا حبراً على ورق، فانقلبت آمالهم إلى خيبة مريرة، وحسرة قاسية، واشتدت عصبيتهم لجنسيتهم، ووقفوا والعثمانيون وجهاً لوجه.
كانت هذه الحركة أقوى ما تكون في سوريا والعراق لوقوعهما مباشرة تحت سلطة تركيا، ولكن مصر كانت أوسع ميدان لها وأفسح مجال للعاملين على امتدادها، إذ كانت مصر في