شكرتك من قبل على هديتك العلمية القيّمة، كتابك عن (ابن رشد الفيلسوف)، والآن وقد قرأته أكثر من مرة، أرى من حق هذا السفر المتع أن ابعث إليك بكلمة تعبر عن مدى تأثيره في نفسي.
لقد كنت إلى عهد غير بعيد اشعر بشيء من الضجر كلما وقع في يدي كتاب في الفلسفة أو عن الفلاسفة، وكنت ألمس مثل ذلك الشعور في إخواني لا أشك في مقدرتهم العلمية، وكان هذا الملل يتطور أحياناً إلى درجة (النفور) من الفلسفة، حتى حملني ذلك على تلمس السبب في هذا الشعور المشترك بيني وبين من أعرفهم من صفوة المثقفين المفكرين، فلم أجد لذلك سبباً إلا ما يتوخاه بعض من يكتبون في الفلسفة من طرق معقدة كثيرة الغموض والدوران، توحي أحياناً بأن المؤلف نفسه لا يملك ناصية مادته، ولا يستطيع صوغها في القالب السهل الواضح الذي يجنَّب القارئ الحيرة، ويشبع أطماعه ويحبب إليه ما يقرأ.
ولكني قد لمست الآن والله الحمد تطوراً عظيماً في أسلوب الكتابة في الفلسفة، يبشر بعصر مزدهر في حياة هذه المادة، فهي لا يعوزها غير إقبال القراء عليها، والمؤلفون وحدهم هم الذين يملكون هذا التيسير. فإن قلت لك إن كتابك حملني على قراءته عدة مرات، علمت بعد هذه التوطئة التي سُقتها مبلغ تأثيره في نفسي، ومدى إعجابي به وبأسلوبه.
وإني لأرجو مخلصاً أن ينسج الكتَّاب على منواله، كما أنني شديد التفاؤل ما دامت قد قامت الآن فلسفية يحمل علمها جلَّة من العلماء المعاصرين، وفي زمرتهم الأستاذ صاحب (ابن رشد الفيلسوف). ولا شك في أن للأزهر وأبنائه فضلهم العظيم في أحياء هذه النهضة التي ترمي إلى تيسير فهم الفلسفة على غير الفلاسفة، وإثبات أن الدين والعقل متلازمان لا تنافر بينهما، فينصف بذلك أمثال ابن رشد والفاربي وابن سينا وغيرهم على يد الأزهر وفلاسفة الأزهر. لهذا غمرتني موجة من الغبطة حينما رأيتك وقد وفيت موضوعك حقه، وأعطيت ما لله لله وما لقيصر لقيصر، ويسعدني ما اشعر به من أن السواد العظم من الناس ستطمئن نفوسهم إلى الفلسفة وهم يرون الأزهر يحمل شعلتها.