والأستاذ عبد المنعم يخشى (إدراك سر الإعجاز) لأننا نستطيع في اليوم الذي تصل فيه إلى إدراك سر الإعجاز في تعبير القرآن أن نستخدمه في صنع كلام معجز، وحينئذ لا يكون معجزاً ما دام مفتاحه بأيدينا وفي طوق صنعتنا)
ولست أرى داعياً لهده الخشية لأن المسافة بين إدراك سر الإعجاز في العمل الفني خاصة، وبين صنع الكلام المعجز ذاته مسافة متطاولة. وليست هذه على كل حال بمانعة للباحثين من محاولة إدراك هذا السر قدر ما يستطيعون، وترك ما لا يدركونه للغيب المجهول.
على أنني أحب أن أصحح شيئاً في الموضوع، فإن قولي (أدركنا سر الإعجاز في تصوير القرآن) جاء في معرض آخر يجعل له اتجاهاً آخر. إنه جاء هكذا بعد بيان ما في تصوير القرآن من إيداع يرتفع فوق ما تستطيعه الريشة المصورة والعدسة الشخصية:
(فإذا ما ذكرنا أن الأداة التي تصور المعنى الذهني والحالة النفسية، وتشخص النموذج الإنساني أو الحادث المروي، إنما هي ألفاظ جامدة، لا ألوان تصور ولا شخوص تعبر. أدركنا سر الإعجاز في تعبير القرآن)
وما من شك أن قيام الألفاظ وحدها بوظيفة أرقى من وظيفة الريشة والعدسة في مجاله الخاص نوع من الإعجاز، وحين ندركه مطرداً إنما ندرك (سر الإعجاز) بمقدار ما يستطيع إدراكنا الإنساني وهو المعنى في هذه الحال.
وأما الملاحظة الثانية فعن (المنطق الوجداني في القرآن) وقد أدار عليها الأستاذ عبد المنعم معظم المقال. ومما جاء عنها هذه الفقرات:
(فليس الموطن الأول لهذه العقيدة هو الوجدان - منطقة الانفعال والاستلام أو الثورة - بل موطنها ذلك (البرق) الذهبي أو العقلي الذي ينتج (حكما) يرسله إلى الوجدان، فينفعل له ويتقبله و (يعقده) في طويته ويستلم له ويسير حياته على مقتضاه.
(هذا البرق الذي ينتج (الحكم) يستمد حيثيات أحكامه من انطباعات الصور الثابتة للكون في النفس ومن الانفعالات الداخلية بهذه الصور)
ثم يقول:
(فالقول بأن منطقة الدين هي الوجدان وحده قول غير إسلامي أخذه المسلمون المحدثون