للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد ألحت عليّ مارتا بعد ذلك، تسألني في لهفة وتحرق، ماذا يقول؟ لماذا لا تقرئين؟ ماذا تنتظرين؟

لقد كذبت عليها، وماذا كان في طوقي أن افعل؟ رحت أحدثها ويدي ترتجف وقلبي من الغيظ يتلوى، أن بوريس يذكرها أبداً ولا يملَّ ذكراها، وإنه ليذكر طول عمره ذلك الزمن الذي قضياه معاً. ثم رحت أصف لها شدة شوقه إليها وانه سيعود ذات يوم حينما يفرغ صبرها وتيأس من رحمة الله، ليفوز بها ولن يتركها بعد ذلك العمر كله.

لقد كنت أجد الكذب شاقاً على نفسي مجهداً لها، فلقد أمضى الرثاء الذي أحس به لهذه البلهاء حقاً، والاشمئزاز الذي أفيض به لذلك الذي عبث بها وتنعم بمالها ثم راح يسئ إليها قدر ما أحسنت إليه. على أنني وجدتني بعد بضع جمل أتقن الكذب وأجيده. فرحت أجهد خيالي وأعنت ذاكرتي لتسعفني بما تعي من شهيرات رسائل الحب التي قرأت.

ثم ألقيت بالرسالة بعد ذلك على المنضدة، فأمسكت بها مارتا وهي على حال شديدة الاضطراب. كانت كهيكل من الخشب بعثت فيه الحياة فجأة، فلم يعد يبدو عليها ذلك العبوس، وتلك البشاعة. كل ذلك أنقلب الآن في وجهها إلى عذوبة وإشراق وحياة.

ثم راحت تتحدث إلى بخفوت حتى لكأنها تحدث نفسها. كتب ألي كل ذلك؟ كل ذلك؟ كل هذه الألفاظ الحلوة العذبة!! كل هذا الحب. . . لي أنا!؟ ثم تنهدت وقالت: على أنني لسوء الحظ لا أستطيع أن اقرأ كل هذا بنفسي. لماذا لا أتعلم القراءة؟. . . أرني بالله أي سطر منها يؤكد شدة حبه وإياي وشوقه إلى، وأين كتب يقول أنه سيعود حينما يعييني الصبر.

ولقد أريتها بعض السطور في أول الرسالة وأخرى في آخرها. . فهزت مارتا رأسها وقالت: لو كان لي علم ذلك. حينما كربني الهم وأمضني اليأس وأضناني الانفراد. لو أنني كنت أستطيع أن أقرأ على نفسي هذه الرسالة الحبيبة كل يوم. . . ثم راحت تحدق في كطفل يستجدي حلوى وتقول: يا صديقتاه أخبريني. هل يستطيع من في سني أن يتعلم القراءة؟. . .

ولقد راعني قولها هذا حقاً. على أنني قلت لها: إن هذا لغاية في الصعوبة. ولكن ما الذي يدفعك إلى هذا وأنت تعلمين الآن ما كتب إليك؟ فقالت: هذا صحيح. ومع ذلك فإنني أحس رغبة ملحة في أن أقرأ الرسالة بنفسي لكي أتملى بكل حرف منها. . . على أي حال لا بد

<<  <  ج:
ص:  >  >>