القنطرة التي كانت تصل في يوم ما بين العالمين القديم والجديد؛ وثمة كان يمتد الطريق التاريخ الذي اجتازته طوائف البشر والحيوان قديماً منتقلة من آسيا إلى أمريكا، وهو الطريق الذي يعلل وجودُه نشوءَ الأمريكيين كسليلين لجديهما المهاجرين من العالم القديم، والذي مكُّن كذلك للجمل الأسيوي القديم من أن ينشئ حفدته على سفوح جبال أمريكا باسم. . .
ويقول العارفون من علماء الجغرافيا إن جو هذه المناطق كان استوائياً شديد الحرارة في الزمن القديم؛ وهم قد وجدوا تأييداً لدعواهم - في أكثر الجزائر التي أرسى عليها بيرنج - عظاماً نخرة وبقايا هياكل مطمورة لحيوان الماموث والكركدن والخرتيت والنمر والوعل وغيرها من تلك الأحياء التي لا تألف اليوم إلا أشد الأقاليم حرارة. . .
وكان من غريب ما جرى لبيرنج أن انقطعت أخبار الرواد الأوائل العشرة الذين أرسلهم ليستطلعوا طِلع العالم الجديد، وكذلك كان مصير الأربعة الآخرين الذي تعقبوهم باحثين عنهم!
خاتمة بيرنج:
زحف الشتاء بخيله ورجله فلم يجد بيرنج بدأ من أن يهُرع إلى الجنوب الغربي ناجياً بنفسه من ويلاته. وهبت قواصف المحيط من شدة وعنف ولجَّت في العبث بالسفينة حتى أضلتها الطريق سبعة عشر يوماً. وقد دهم هذا الزمهرير القوم ودهم بين سماء وماء يتلمسون عبثاً طريقهم إلى ساحل كامتشاتكا؛ وكانت أبدانهم قد نحلت وضوت من سوء التغذية ففشا بينهم داء (الأسكربوط). وأنفقوا أياماً طويلة في أحضان المحيط وهم يتخبطون بين منهال الجليد ومنهل المطر، في حين كان الثلج المتساقط من أمراس السفينة يرض أجسامهم ويكاد يفضخ منهم الرءوس. وازدادت الأطعمة شحاً في مقدارها وقلة في غنائها حتى نهكت القومَ الأدواء، وعلَّ الموت فيهم ونهِل.
وقد شلت ساقا النوتي على سكان السفينة، وبدأ أكثر البحارة يعجزون عن الاضطلاع بأعباء عملهم يوماً بعد يوم. وكان من سخرية القدر أن يعجز الرجل الذي استكشف قارة بأكملها عن أن يجد ذراعاً من الأرض يريح فوقها أجساد رجاله المتهالكين. . .
وكان بيرنج شديد المنة قوى الاحتمال، ولكن مسَّا من داء (الأسكربوط) أطاف به كصخبه