للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ضيقة. وأي كلام اعتمد على (الحقائق البديهية الخالدة) وعلى مقدمات ونتائج صحيحة سواء أكانت محسوسة ومنظورة أم غير محسوسة ومنظورة فهو منطق ذهني. فإذا جمع إلى صحة المقدمات والنتائج جمال التعبير وروعة الأسلوب وإشراق الطلعة فهو منطق (وجداني) كذلك. منطق الوجدان - وإطلاق (المنطق) هنا تجوز في التعبير - هو الذي يتأثر بالخطابيات والشعر والموسيقى وغير أولئك من ألوان الفن التي لا تعتمد على الحقائق الثابتة و (نقط الارتكاز) الواضحة في عالم البداهة و (الحكم العقلي). والتأثر بهذا (المنطق) تأثر وقتي لا يترك رواسب في الذهن ومقاييس تملأ اليد، يستطيع الفكر أن يتحاكم إليها، ولأنها ألوان وظلال ونغمات وأعراض غير ملازمة تنفعل لها النفس انفعال الانقباض أو الانبساط وقتاً ثم يزول تسلطها عليها.

وليست هذه الأعراض هي طريق إقرار (العقائد) ودعائم الفكر والحياة عند الراصدين المتيقظين الواعين، وخصوصاً الدعامة الأولى والقضية الكبرى قضية (التوحيد) التي هي قضية الكون كله وأعظم شئونه! إن الوجدانيات من الخطابيات والشعر والموسيقى وسائل إقناع وقتي للبسطاء، وليست وسائل يقين ثابت للذين يبحثون لعقولهم عن عواصم تستند إليها من طوفان الأهواء والنوازع والوجدانيات المتقلبة. . . وما كان للقرآن وهو يتصدى لإثبات القضية الكبرى أن يعتمد على (المنطق) الوجداني وإني أرى الذهن في إثبات العقائد وخصوصاً (التوحيد) هو أوسع المنافذ وأصدقها وأدقها، كما بينت في المقال السابق بهذا الخصوص.

والذي يدعوني إلى أن أفهم أن الأستاذ سيد يذهب إلى أن مواطن العقيدة - بما فيها التوحيد - هو الوجدان قوله (موطن العقيدة الخالد هو الضمير والجدان) (وما الذهن في هذا المجال إلا منفذ واحد من منافذ كثيرة، وليس هو على أية حال أوسع المنافذ ولا أصدقها ولا أقربها طريقاً) (فلندع الذهن يدبر أمر الحياة اليومية الواقعة أو يتناول من المسائل ما هو بسبب من هذه الحياة. فأما العقيدة فهي في برجها العالي هناك، لا يرقى إليه إلا من يسلك سبيل البداهة ويهتدي بهدي البصيرة ويفتح حسه وقلبه لتلقى الأصداء والأضواء).

فهذه كلمات صريحة (فيها الحصر بأما والنفي والاستثناء) في إقصاء الذهن عن منطقة العقيدة، وفي التفريق بين عمل الذهن وعمل الوجدان في الحياة والعقيدة، اضطررت إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>