يستعين بها في وضع منهج تجاربه. وعند تنفيذ تجاربه تظهر له مشاهدات أخرى جديدة قد تدفعه إلى تعديل منهج تجاربه الأول. وهكذا كلما تكونت عنده فكرة جديدة وصادفته مشاهدات جديدة استعان على دحضها أو إثباتها بالتجارب حتى يصل في النهاية إلى الحقيقة الثابتة الناصعة المبنية على أساس علمي.
فالذي لا يأنس في نفسه القدرة على إتباع هذا الطريق في أبحاثه لا يصح أن يقوم بأي عمل من أعمال البحث. وأنه لمما يؤسف له أن العالم ملئ بالكثير من أصحاب النظريات غير المؤيدة بتجارب عملية صحيحة. وتراهم يفرضون آراءهم على الناس وعلى من ولي أمورهم للأخذ بها فيجدون من يغتر بأقوالهم فيستمع إليهم ويعمل بإرشادهم فلا يظهر دجلهم إلا بعد أن تتكبد البلاد نفقات باهظة؛ ناهيك بضياع الوقت وإفلات الفرص. وبلادنا تعج بأمثلة كثيرة من هؤلاء في كل مهنة وفن. والواجب على حديثي العهد بالبحوث العلمية أن يدأبوا على القيام بتجارب متنوعة كثيرة متواصلة واضعين نظرياتهم ونظريات وغيرهم موضع الاختيار والدراسة ليستفيدوا ويزدادوا خبرة وعلما.
ومن أهم أركان البحث قدرة الباحث على تفسير مشاهداته واستخلاص نتائج تجاربه. وهذا يستلزم القدرة على ربط النتائج بعضها ببعض للاستنتاج النهائي. وهذا يتطلب الدقة في الحكم وعدم التسرع فيه لأن الباحث إذا أراد أن تكون بحوثه مصدقة محترمة وجب عليه أن يثبت من صحة نتائجه وصدق تعبيرها.
والواجب ألا يكتفي من يقوم بأعمال البحث بما حصل عليه غيره من النتائج بل عليه أن يعيد تجارب غيره حتى يحصل بنفسه على نتائج تؤيدها أو تنفيها. كما يجب عليه ألا يكتفي بنتائج تجارب قام بها أحد كبار الباحثين اعتماداً على شهرته. فكل عالم عرضة للخطأ والزلل كأي إنسان آخر. وكم من رجل وصل إلى الشهرة بالإعلان والدجل ودق الطبول ونفخ الأبواق وحرق البخور.
وواجب البحاث أن يصدق كل شيء ليبني على هذا الشيء تجاربه؛ وألا يصدق أي شيء حتى يحصل على نتائج تجاربه؛ وألا يمنعه أي اعتبار مهما كان مقدساً عن البحث في طبيعة الأشياء.