والإخفاق، وما من عبرة في حياة الأمم أو الأفراد خلت منها هذه السنون الخمسون، أو نقص نصيبها منها عن نصيب الدهور متجمعات متلاحقات.
أفنحن سعداء بهذه الآونة العجيبة أم أشقياء؟
إن كانت السعادة وفرة الحياة وثروة التجربة فنحن سعداء، وإن كانت السعادة خلو البال من العبر والأحداث فنحن لا نغبط السعيد الخالي، لأن الخلو لم يكن قط بالنعيم الذي يعمر النفس ويحمده الأحياء.
فالعمر في هذا العصر الحافل لاشك أعمار، والحياة بين هذه العوالم لاشك حيوات، وما تخال أحداً يستبدل بأيامه في هذا العصر أياماً في العصور الأخريات ولديه سبب مفهوم.
قال قائل وقد كنت أذكر عجائب عصرنا: نعم ويخيل إلى أناس مع هذا أن العصر عصر باهت لا عجب فيه، وأن العجائب حق العجائب قد ذهبت مع ذاهب العصور، لأنهم يعجبون على البعد ولا يعجبون على القرب، ولا يعلمون أنهم يتعجبون إلا إذا قرءوا أنهم متعجبون!
وسأل سائل: لكن أليس بعجيب من هذا العصر أنه لم يبدع ملحمة من الشعر كملاحم الأقدمين، وما كانت طروادة وميادينها وأبطالها إلا حادثة من حوادث الأقسام في جوانب الحوادث التي مرت بأهل الزمان؟
قلت حذار يا أخانا أن تخطيء هذه الخطأة التي ينزلق إليها نقاد الظواهر مغمضين!. . . لو أن أدباء الملاحم الغابرة عاشوا في عصرنا هذا لما كان شأنهم غير شأن الأدباء الذين يعيشون فيه. لأن الاختلاف إنما يكون في النظر إلى الوقائع لا في ضخامة الوقائع ونصيبها من السعة والضجيج. وحذار يا صاح من كل رأي يسول لك أن تجرد الخلائق الآدمية في بعض الأجيال من سليقتهم التي طبعوا عليها في غير ذلك الجيل؛ فإن السليقة لا تتبدل إلا كما يتبدل الناس بين عصر اليقظة وعصر الغفلة والجمود، فإذا لم يكن العصر عصر غفلة أو جمود فسليقة النفس الآدمية واحدة من أقدم العصور إلى أحدث العصور، ولا سيما في مسائل الحسن والتعبير.
أما أن الأقدمين نظموا الملاحم فيما هو أهون من أعاجيب اليوم فإنما نظموها لأنهم كانوا يتلقون الحوادث بدهشة الخيال، ولا يستعظمونها مع هذا حتى يضفي عليها القدم ثوباً من