على فرنسا سلسلة نعوت خارقة مثل (مبعث النور والحرية ومهد الاختراعات)
إن معظم هذه المدعيات تخالف الحقائق الراهنة مخالفة صريحة، كما أن ما تبقي منها ينطوي على مغالاة صارخة. . .
فإن التاريخ يذكر لنا عشرات الثورات التي قامت قبل ثورة باريس المعلومة. الفرنسيون أنفسهم يعترفون بأنهم تأخروا كثيراً في تحقيق المساواة في العدل الاجتماعي. كما أن معظم مفكريهم يشكون بمرارة ضعف الوازع الشخصي في نفوس مواطنيهم، ويحسدون بصراحة بعض الأمم من جراء الوازع الشخصي المبحوث عنه. . .
وأما نعت فرنسا (ببعث النور ومهد الاختراعات) واعتبار الفرنسيين أرقى شعوب الأرض على الإطلاق، فإن كان ذلك من الدعاوى التي كان يمكن الدفاع عنها في دور من أدوار التاريخ، فقد اصبح من القضايا التي لا يمكن التسليم بها في الدور الذي نعيش فيه الآن. . .
لقد فنّد الفيلسوف الإنكليزي الشهير (هربرت سبنسر) الأسطورة القائلة (بتفرق الفرنسيين) على جميع شعوب الأرض في (المدخل) الذي كتبه لعلم الاجتماع، قبل نحو سبعة عقود من السنين، وانتقد انتقاداً لاذعاً المبالغات المفرطة التي كانت تلقب فرنسا بلقب (محررة الأمم)، والتي كانت تدعي بأن أندراس باريس يعني انطفاء مشعل المدنية.
أنا لا اشك في أن مثل هذه المبالغات التي استشارت انتقادات هذا الفيلسوف عندئذ، قد أصبحت أشد بعداً عن الحقيقة الآن، وأجدر بالانتقاد الشديد في هذا الزمان.
لا أنكر أن فرنسا كانت أرقى بلاد العالم في دور من أدوار التاريخ؛ هذا الدور هو العهد الذي يمتد بين أواسط القرن السابع عشر وأواخر الثامن عشر، وأعزف أن البعض من المفكرين الذين استعرضوا تاريخ أوربا استعراضاً فلسفياً، ولاحظوا تتابع دور الإقطاع ودور الانبعاث (قد سموا الدور الذين نحن بصدده باسم (الدور الفرنسي)؛ غير أنني أعرف أيضاً أن ذلك الدور قد مضى وانطمس في أغوار التاريخ منذ مدة طويلة؛ لأن حالة أوربا وحالة العالم تبدلت تبدلاً هائلاً خلال القرن التاسع عشر، فلم تستطع فرنسا أن تحتفظ بمنزلتها السابقة بين هذه التبدلات والتقلبات العالمية الهائلة. أنا لا أود أن أقول: أن فرنسا تأخرت منذ ذلك الحين؛ غير إنني أقول أن أمماً ودولاً أخرى قامت ونهضت بسرعة هائلة