وقد أكبر الناس قتل الوليد بن يزيد بهذا الشكل، وثار لقتله أهمل حمص وأهل فلسطين وغيرهم، واضطرب أمر بني مروان اضطراباً كبيراً، وعجل بأيام يزيد بن الوليد، فلم يدم له ملك إلا خمسة أشهر وأثنى عشر يوماً، ولم يدم أمر بني مروان بعده إلا سنين تعد على الأصابع.
فإذا أخذنا في قصة الوليد بن يزيد بهذا السياق، وهو قائم على وقائع تنطق بنفسها، وجدنا أنه لم يزد أمره عن غيره من بني مران، وأنه كان سائراً على سنتهم في الملك، آخذا بطريقتهم في سياسة الناس، ووجدنا أن يزيد بن الوليد لم يخرج عليه لأخذه بسنة آبائه، لأن الناس كانوا قد ألفوها على ما فيها من إرهاقهم، فلم يكن في أخذ الوليد بها ما يثيرهم عليه، وقد سار عليها يزيد بعد قتل الوليد، فتَشَفَّى من رأسه ذلك التشفي، وعسف بأولاده وأنصاره كما كان يعسف الوليد وغيره من بني مروان، ولو أنه خرج عليه لأنه يريد تغيير تلك السياسة كما غيرها عمر بن عبد العزيز، لكان له في ذلك بعض العذر، ولكان له فيه غرض شريف، ولكنه كان يريد الملك لا أكثر ولا أقل، فسلك إليه ذلك الطريق الشائك، ولم يجد إلا أن يغالي في أمر الوليد، ويلصق به من أشنع التهم ما يلصق، ليثير العامة عليه، ويصل بذلك إلى غرضه في الملك. ولقد كان عمه هشام اشرف منه خصومة، وأقل منه حرصاً على ذلك المنصب الزائل، فلم يستبح لنفسه أن يخلع الوليد من ولاية العهد على غير إرادته، وخشي من ذلك ما لم يخشه يزيد، وقد نصحه أقرب الناس إليه فلم ينتصح، وحذر مما يقدم عليه فمضى فيه ولم يلتفت إلى نصح ناصح.
فهل بعد هذا نصدق شيئاً من تلك التهم الشنيعة التي ألصقها أشياعه بالوليد ليصلوا بها إلى مآربهم، وليرضوا الناس بعد أن غضبوا لقتلهم إياه؟ وهل نصدق ما يرونه من أنه فتح المصحف يوماً فخرج فيه (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد) فألقاه ورما بالسهام وقال:
تُهَدَّدُ كل جبار عِنيدٍ ... فهأنذاك جبارٌ عَنِيدُ
إذا ما جئت ربك يوم حشرٍ ... فقل ياربِّ مزَّقني الوليدُ
وهل بعد هذا نصدق ما رواه العلاء بن البندار من أنه كان زنديقا، وأن رجلا من كلب كان يقول بمقالة الثَّنَوِيَّة، فدخل عليه العلاء وعنده ذلك الكلبي، وإذا بينهما سفط قد رفع رأسه