للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عنه، فإذا ما يَبْدُو له منه حرير أخضر، فقال الوليد: ادن يا علاء. فدنا فرفع الحرير فإذا في السفط صورة إنسان، وإذا الزئبق والنوشادر قد جعلا في جفنه، فهو يطوف كأنه يتحرك، فقال له الوليد: هذا ماني، لم يبتعث الله نبياً قبله، ولا يبتعث نبياً بعده. فقال له: يا أمير المؤمنين، اتق الله، ولا يغرنك هذا الذي ترى عن دينك. فقال الكلبي: يا أمير المؤمنين، ألم أقل لك أن العلاء لا يحتمل هذا الحديث.

وهناك تهم أقبح من هذه التهم تلصق بالوليد، يحجم القلم حياء عن ذكرها، ولا يرى أن يلوث بها صفحات مجلة الرسالة الغراء، وكلها تهم إذا فتح لها التاريخ بعض صحائفه، لأنه يروي كسمين وغث، فإن القضاء لا يمكن أن يؤاخذ الوليد بها، لأنه لا يؤاخذ الشخص في دينه بما يقوله غيره عنه، وإنما يؤاخذه بما يقربه على نفسه، وقد تبرأ الوليد من هذه التهم الشنيعة التي تلصق به، فلا يمكن القضاء أن يؤاخذه بها، لأنه يتحرج مما لا يتحرج منه التاريخ، وقد وضعت في يده رقاب الناس، فلا يمكنه أن يجازف فيها، ولا يستبيح أن يحكم فيها إلا بما يراه يقيناً. ولو أن هذه التهم التي تلصق بالوليد قدمت إليه لعاقب أصحابها عليها، لأنه ليس عندهم ما يثبتها، فيعدها من القذف الذي يعاقب عليه، حفظاً لأغراض الناس، وصونا لأصحاب المروءة والشرف.

ويكفي في براءة الوليد من تلك التهم الشنيعة وقوف العباس أبن الوليد ذلك الموقف منه، وهو ذلك الرجل التقي الصادق، وقد كان أشبه بني أمية بعمر بن عبد العزيز لا أخوه يزيد الناقص، وهو الذي كان يجب أن يقرن إليه في ذلك القول المشهور - الناقص والأشج اعدلا بني مروان - لأن الناقص لم يكن أمره في شيء من أمر عمر بن عبد العزيز.

وقد أنكر قوم ما قيل في حق الوليد من ذلك، وقالوا إنه قيل عنه وألصق به وليس بصحيح. قال المدائني: دخل ابن للغمر ابن يزيد أخ الوليد على الرشيد، فقال له: ممن أنت؟ فقال: من قريش. قال: من أيها؟ فأمسك، فقال: قل وأنت آمن ولو أنك مرواني. فقال: أنا ابن الغمر بن يزيد. فقال الرشيد: رحم الله عمك ولعن يزيد الناقص وقتلة عمك جميعاً، فإنهم قتلوا خليفة مجمعا عليه، أرفع إلي حوائجك. فرفعها إليه فقضاها.

وقال شبيب بن شبه: كنا جلوساً عند المهدي فذكروا الوليد، فقال المهدي: كان زنديقاً، فقام أبو عُلاثة الفقيه فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل أعدل من أن يولي خلافة النبوة

<<  <  ج:
ص:  >  >>