للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويتكون المشهد الرابع من قواس يثنى ظهره المتعضل ليشد عليه سلاحه، ومن بوق يرسل نداءه المثير إلى الجحافل ومن بنود تخفق ورماح مشرعة إلى الأمام. لقد صدر الأمر وابتدأ الكفاح فعلا.

ونرى هنا أيضاً رواية مثلت أمام أعيننا؛ ولكن بينما لوحة (ركوب السفينة إلى سايتيريا) تذكر المرء بهزليات ماريفو فإن المارسلييز يذكره بمآسي كورنيل وإني لا أدري أي الاثنتين أفضل، إذ أرى في إحداهما من الروعة والعبقرية بقدر ما أراه في الأخرى) ثم قال بعد أن حدجني بنظرة تحد ما كرة:

(أعتقد أنك سوف لا تقول بعد الآن بأن لا قبل للتصوير والنحت بمنافسة المسرح) فقلت له: (طبعاً كلا).

وفي تلك اللحظة لمحت في الكتاب الذي أعاد صورة المارسلييز صورة شمسية أخرى لتمثاله البديع المسمى (رهائن كاليه) ثم قلت:

(ولكيما أبرهن لك على أني أفدت من تعاليمك دعني أطبقها على عمل من أجل أعمالك؛ لأني أرى أنك أنت نفسك تطبق تلك القواعد التي كشف لي عنها. فهنا في تمثالك رهائن كاليه، أستطيع أن أرى منظراً متتابعاً كالذي ذكرت من أعمال واتو وروود. فالشخص الذي في الوسط هو أول ما يسترعي النظر. وما من إنسان يشك في أنه (يوستاك سنت بيير). إنه يحني رأسه الجليل يكلله شعر أشيب طويل. ليس متردداً ولا خائفاً، يتقدم بخطى ثابتة وقد أسبلت عيناه في صلاة صامتة. وإن كان يترنح قليلاً فإنما ذلك من جراء الشدائد التي عاناها أثناء الحصار الطويل. إنه هو الذي يلهم الآخرين. إنه أول من تقدم من الرهائن الستة الذين يتوقف على إعدامهم إنقاذ أبناء بلدتهم من المذبحة المنتظرة، وذلك حسبما شرط الغزاة. أما المواطن الذي إلى جانبه فليس أقل منه شجاعة. ومع أنه لا يجزع لمصيره الخاص إلا أن شروط تسليم المدينة يسبب له ألماً ممضاً. وفي حين يقبض بيده المفتاح الذي يتحتم عليه تسليمه للإنجليز نراه يصلب كل جسمه كيما يجد من نفسه القوة على احتمال هذا الذل المحتوم. وإلى جانب هذين. وفي مستواهما، تجد رجلا أقل شجاعة منهما لأنه يسرع في مشيته فتقول عنه: أما وقد وطن نفسه على التضحية فإنه يتوق إلى تقصير الوقت الذي بقي على استشهاده.

<<  <  ج:
ص:  >  >>