من المعلوم أن ألمانيا كانت جردت من السلاح، وحرمت من حق التسلح بعد الحرب العالمية، فظلت محرومة من الأسلحة ومن مصانعها مدة تزيد على عشر سنوات، فعندما بدأت تتسلح مؤخراً - سراً في بادئ الأمر، وعلناً في نهاية الأمر - لم تتقيد بشيء من القديم - بطبيعة الحال. . . فاستحضرت أنواعاً جديدة من الأسلحة الحربية، وابتكرت أنواعاً جديدة من أساليب الحرب. ويظهر أنها كانت تمكنت من ابتكار أنواع عديدة، فاستفادت من كل نوع منها في إحدى صفحات حروبها المتوالية في بولندة، وفي النرويج، وفي هولندا، وعندما جاء دور هجومها على فرنسا استطاعت مفاجأتها بوسائط وأساليب حربية أخرى، أفسدت على الجيش الفرنسي جميع الخطط التي كان قد وضعها. . .
وزد على ذلك أن الجيش الألماني الذي أنقض على الجيش الفرنسي بمثل هذه الوسائط الحربية الجديدة، كان متفوقاً عليه تفوقاً كبيراً من حيث العدد أيضاً. وإذا بحثنا أسباب هذا التفوق العددي نستطيع أن نذكر أموراً كثيرة منها مساعدة الموقع الجغرافي، وسير صفحات الحرب، وكثرة وسائط النقل، ونظام خطط التعبئة. . وما أشبه ذلك من العوامل والأسباب، غير أننا - مع كل ذلك - نضطر إلى التسليم بأن السبب الأصلي يعود إلى كثرة العدد؛ إذ من المعلوم أن عدد نفوس ألمانيا يناهز ضعف عدد نفوس فرنسا، فلا غرابة، والحالة هذه أن يتفوق جيشها على جيش فرنسا تفوقاً كبيراً من حيث العدد أيضاً. . .
ومما يجدر بالانتباه أن قضية عدد السكان كانت من القضايا التي أخذت تشغل بال الفرنسيين وتثير مخاوفهم منذ مدة غير يسيرة، فإن الإحصاءات الموجودة تدل على أن نفوس فرنسا كانت مساوية لنفوس ألمانيا سنة ١٨٦٥ غير أنها لم تزد بعد ذلك خلال سبعين سنة - أي حتى سنة ١٩٣٥ - ألا ثلاثة ملايين، في حين أن نفوس ألمانيا - زادت خلال المدة نفسها - أكثر من ثلاثين مليوناً. . .
لاشك في أن قضية النفوس وحدها لا تكون من القضايا الحاسمة في سير التاريخ؛ فإن التاريخ يرينا أمثلة كثيرة من تغلب الأمم الصغيرة على بعض الأمم الكبيرة، بالرغم من قلة عدد نفوسها، غير أن مثل هذه الحوادث لا تحدث عادة إلا عندما يكون هناك فرق عظيم بين الأمتين، من حيث مستوى الحضارة والثقافة، وشدة الروابط الاجتماعية وقوة الإيمان