القومي. . . وأما إذا كانت الأمتان متقاربتين من هذه الوجوه الثقافية والاجتماعية - كما هي الحالة في فرنسا وألمانيا الآن - فمن الطبيعي أن تكتسب قضية النفوس خطورة خاصة، وتؤثر في سير التاريخ تأثيراً كبيراً.
فقد انتبه عدد غير قليل من الكتاب والمفكرين في فرنسا إلى الخطر الذي اخذ يحدق ببلادهم من جراء نقص عددها؛ حتى أنه ظهر بينهم من قال: يجب أن نعلم بأننا في كل سنة من السنين التي تمر علينا على هذا المنوال نخسر معركة ونفقد جيشاً دون أن نقدم على حرب ودون أن نشعر بهذه الخسارة، في حين أن ألمانيا - بعكسنا - تربح في كل سنة معركة وتحصل في كل سنة على جيش جديد، دون أن تقدم على حرب ودون أن تضحي شيئاً في سبيل ذلك. . .
إلا أن الأمور ظلت على حالتها هذه بل زادت خطورة من جراء التدابير المتخذة في ألمانيا في هذا السبيل - لقد وضعت ألمانيا عدة قوانين واتخذت عدة تدابير لضمان تكاثر النفوس - زيادة على سير المعتاد - في حين أن فرنسا لم تخرج عن ساحة النقد والبحث في هذه المضمار، ولم تقدم على وضع قانون يعالج هذه القضية الحيوية بعض العلاج إلا قبل اندلاع نيران الحرب الحالية
كان يأمل رجال السياسة في فرنسا التغلب على المشاكل والمخاطر التي تنجم عن مسألة النفوس بوسيلتين غير مباشرتين.
الأولى - التجنيد من المستعمرات، وتقوية الجيش الوطني بجيش المستعمرات.
الثانية - تكون اتفاقات سياسية وعسكرية تربط فرنسا بكتل كبيرة قوية، تكفي لملافاة نقص النفوس الأصلي، بل تضمن التفوق على أعدائها من جهة النفوس أيضاً
غير أنه مما لا مجال للشك فيه أن الجيوش التي تجمع من أهالي المستعمرات - وتساق إلى ساحات الحروب سوقاً وتحمل على خوض غمار الحرب - دون أن تشعر بدافع باطني يحب إليها الاستقلال، أن مثل هذه الجيوش لا يمكن أن تتكافأ والجيوش الوطنية التي تعمل وتحارب بشعور وطني وإيمان قومي. . .
وأما الاتفاقات السياسية - فقلما تستقر على حال؛ فلا تستطيع أن تضمن المستقبل في جميع الأحوال، لأن منافع الدول والأمم معضلة إعضالاً شديداً، ومتشابكة تشابكاً كبيراً. فإذا