قال مستر أميركا موجهاً إلي السؤال: هل تعترفون بألوهية المرأة في مصر، وبأنها مصدر إلهام يوحي إلى الناس معاني الحياة كما قالت مداد فرانس؟
بلعت ريقي وتكلفت ابتسامة رضى وقلت: ليتك يا مستر أميركا تضع السؤال في الصيغة التالية: هل بلغت المرأة الأمريكية درجة من الرقي سمت بها إلى مقام جعل الرجل يتطلع إليها فيه كما نتطلع كلنا إلى المرأة الأوربية باعتبار أنها الملهم معاني الحياة والدافع إلى الشعور بالفرح بها؟
لقد نجحت في تحويل الدفة، كما يقال في تعبير أهل النوتية، وفي رفع الأثقال عن كتف المرأة المصرية، وفي إزاحة الألم عن نفسي من قول الحق، وقد أفلحت في ذلك، إذ ما كدت انتهي من تحريف السؤال وتوجيهه إلى مستر أميركا حتى انبرت مدام فرنس تقول: تخولني معلوماتي حق القول بأن المرأة الأمريكية أخذت تدرك قدر نفسها وستنجح في صيرورة ذاتها مصدر حياة أفعل في روح الرجل الأميركي من الدولار.
ما كادت تنتهي مدام فرانس من قولها حتى رأيتني مدفوعاً إلى الكلام فقلت معلقاً: سوف تصير المرأة المصرية ذاتها مصدراً فلهام الرجل وإذكاء روحه متى خلصت من شوائب الظفرة وبعد أن ترغمها الآلام على التفكير في ماضيها ومستقبلها بالقياس إلى حاضرها المضطرم بنيران الانتقال.
صحيح ما رمزت إليه بلباقة يا مستر إيجبت عن المرأة أنها في طور الانتقال الذي يعقب الانقلاب الاجتماعي، ويمكنني القول إن بواكير الانقلابات تكون من النساء وفي النساء كما تكون بوادر الثورات وطلائعها من شرارات يقدحها طلاب الجامعات بإيحاء غير مباشر من أرواح يقظة عاملة هادئة.
سكت محدثي الشاب وكاد يطول سكوته ولكنه رفع رأسه ونظر إلي نظرة استفهام واضحة، فقلت له ببرود: ثم ماذا؟
ماذا؟ نعم نعم، كنت أظن أني أنهيت القصة ولكن نسيت فصلها الثاني
دوى رنين الجرس يدعو الراغبين في الطعام من ركاب الدرجة الأولى إلى تناول العشاء. . . وكان الكلام حتماً لمدام فرانس التي أمرت أحد الندل (جارسون) بتهيئة مائدة لثلاثة أشخاص فكان طعام وكان شراب، بل كان شراب وطعام وكلام وشعر وتوريات ورموز